عرض مشاركة واحدة
   
قديم 01-26-2011, 03:35 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ملبسة العوشز
عضو متألق جدا

الصورة الرمزية ملبسة العوشز

إحصائية العضو






 

ملبسة العوشز غير متواجد حالياً

 


المنتدى : منتدى الأدب أصوله وفنونه
افتراضي قراءة فى كتاب ( البيان والتبيين ) للجاحظ (1)

قراءة فى كتاب ( البيان والتبيين ) للجاحظ (1)

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم , وبعد :
فهذه قراءة منوعة فى كتاب من أعظم كتب الأدب وهو كتاب ( البيان والتبيين ) لأبى عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ( 150 - 255 هـ ) الذى ذكره ابن خلدون من ضمن أركان الأدب الأربعة ..

وهذه القراءة ليست على سبيل الدراسة بقدر ما هى على سبيل التنزه فى رياض الأدب وقطف أشهى ثماره , والتزود من معينه بغير كدٍّ ولا عناء ..
وسوف أضع فى كل حلقة من حلقات هذه السلسلة بعضاً مما راقنى من أخبار هذا الكتاب القيِّم لنقرأها معا ونناقش منها ما أحببنا مناقشة مثرية هادئة أخوية وليست كحلق العلم ومجالس الدرس ..

ولنبدأ مستعينين بالله عزوجل ...


* * *

واصل بن عطاء وحرف الراء !

قال الجاحظ :
( ولمَّا علم واصلُ بنُ عطاء (*) أنّه ألثغُ فاحش اللَّثَغ، وأنّ مَخرج ذلك منه شنيع، وأنه إذ كان داعيةَ مقالةٍ، ورئيسَ نحلة، وأنّه يريد الاحتجاج على أرباب النحل وزعماء الملل، وأنّه لا بُدَّ له من مقارعَة الأبطال، ومن الخطب الطِّوال، وأنّ البيان يحتاج إلى تمييزٍ وسياسة، وإلى ترتيب ورياضة، وإلى تمام الآلة وإحكام الصنعة، وإلى سهولة المخرج وجَهارة المنطق، وتكميل الحروف وإقامة الوزن، وأنّ حاجة المنطق إلى الحلاوة، كحاجته إلى الجزالة والفخامة، وأن ذلك من أكثر ما تُستمال به القلوب وتُثْنَى به الأعناق، وتزيَّن به المعاني؛ وعلِمَ واصلٌ أنهّ ليس معه ما ينوب عن البيان التامّ، واللسان المتمكِّن والقوة المتصرِّفة، كنحو
ما أعطى اللَّه تبارك وتعالى نبيَّه موسى عليه السلام من التوفيق والتَّسديد، مع لباس التَّقوى وطابَعِ النبوة، ومع المِحْنة والاتساع في المعرفة، ومع هَدْيِ النبيِّين وسَمْت المرسَلين، وما يُغَشِّيهم اللَّهُ به من القَبول والمهابة، ولذلك قال بعضُ شعراء النبي:
لو لم تكن فيه آياتٌ مُبيِّنةٌ ... كانت بداهتُه تُنْبيك بالخبرِ

ومع ما أعطى اللّهُ تبارك وتعالى موسى، عليه السلام، من الحجَّة البالغة، ومن العلامات الظاهرة، والبرهانات الواضحة، إلى أن حلّ اللَّه تلك العقدة وأطْلَقَ تلك الحُبْسة، وأسقط تلك المحنة؛ ومن أجْل الحاجة إلى حُسن البيان، وإعطاء الحروف حقوقَها من الفصاحة رامَ أبو حذيفةَ إسقاطَ الراء من كلامه، وإخراجَها من حروفِ منطِقِه؛ فلم يزل يكابِد ذلك ويغالبُه، ويناضله ويساجله، ويتأتَّى لسَتره والراحةِ من هُجْنته، حتَّى انتظم له ما حاول، واتَّسق له ما أمَّل، ولولا استفاضةُ هذا الخبرِ وظهورُ هذه الحال حتّى صار لغرابته مثلاً، ولطَرافته مَعْلماً، لما استجزَنْا الإقرارَ به، والتأكيدَ له، ولستُ أَعْنِِي خُطَبه المحفوظة ورسائله المخلَّدة، لأنَّ ذلك يحتمل الصَّنعة، وإنما عَنيْتُ محاجَّة الخصوم ومناقلَة الأكْفاء، ومفاوضةَ
الإخوان، واللُّثغة في الراء تكون بالغين والذال والياء، والغينُ أقلُّها قبحاً، وأوجَدُها في كبار الناس وبلغائهم وأشرافهم وعلمائهم، وكانت لُثْغة محمد بن شبيب المتكلم، بالغين، فإذا حمل على نفسه وقوَّم لسانه أخرج الراء، وقد ذكره في ذلك أبو الطُّرُوق الضبّيّ فقال:
عليمٌ بإبدال الحروف وقامعٌ ... لكلِّ خطيبٍ يغلبُ الحقَّ باطلُه

وكان واصلُ بن عطاءٍ قبيحَ اللُّثغة شنيعَها، وكان طويلَ العنق جِداً؛ ولذلك قال بَشَّارٌ الأعمى:
ما لِي أشايعُ غزَّالاً له عنقٌ ... كنِقْنِقِ الدَّوِّ إن ولّى وإن مََثَلا
عُنْقَ الزَّرافةِ ما بالي وبالُكُمُ ... أتُكْفِرون رجالاً أكفَروا رجُلا


فلما هجا واصلاً وصوَّب رأيَ إبليسَ في تقديم النَّار على الطِّين، وقال:
الأرض مظْلمةٌ والنارُ مُشرِقةٌ ... والنار معبودةٌ مذْ كانت النار
وجعل واصل بنَ عطاءٍ غَزَّالاً، وزعَم أنَّ جميعَ المسلمين كفَروا بعد وفاة الرسول، فقيل له: وعليٌّ أيضاً؟ فأنشد:
وما شَرُّ الثلاثةِ أمَّ عمرٍو ... بصاحبك الذي لا تَصْبَحينا

قال واصلُ بن عطاءٍ عند ذلك: " أمَا لهذا الأعمى الملحِد المُشنَّف المكَنَّى بأبي معاذٍ مَن يقتله، أما واللَّه لولا أن الغِيلة سجِيّةٌ من سجايا الغالية، لبعثْتُ إليه من يبعَج بطنه على مضجعه، ويقتُله في جوف منزلِه وفي يوم حَفْله، ثم كان لا يتولَى ذلك منه إلا عُقَيليٌّ أو سَدُوسيّ "

قال إسماعيل بن محمّدٍ الأنصاريُّ، وعبدُ الكريم بن رَوح الغِفَاريّ: قال أبو حفص عُمر بن أبي عثمان الشَّمَّرِيُّ: ألا تَريان كيف تجنب الراء في كلامه هذا وأنتما لِلَّذي تريان من سلامته وقلة ظهور التكلُّف فيه لا تظُنّان به التكلّف، مع امتناعه من حَرْفٍ كثير الدَّوران في الكلام، ألا تريانِ أنّه حين لم يستطعْ أن يقول بشَّار، وابن بُرد، والمرعَّث، جعل المشنَف بدلاً من المرعَّث، والملحِد بدلاً من الكافر؛ وقال: لولا أنّ الغِِيلة سجيَّةٌ من سجايا الغالية، ولم يذكر المنصوريّة ولا المُغِيريَّة؛ لمكان الراء؛ وقال: لبعثت من يبعج بطنه، ولم يقل: لأرسلتُ إليه؛ وقال: عَلَى مضجعه، ولم يقل: على فراشه . ) انتهى

______________________________________
(*) هو أبو حذيفة واصل بن عطاء المعتزل , وكان يجلس إلى الحسن البصرى , فلما ظهر الاختلاف وقالت الخوارج بتكفير مرتكب الكبائر , وقالت الجماعة بأنهم مؤمنون وإن فسقوا بالكبائر - خرج واصل عن الفريقين وقال : إن الفاسق من هذه الأمة لا مؤمن ولا كافر , بل هو بمنزلة بين المنزلتين , فطرده الحسن من مجلسه فاعتزل عنه , وجلس إليه عمرو بن عبيد , فقيل لهما ولأتباعهما ( معتزلون ) , وُلد سنة 80 وتوفى سنة 181 .

المصدر : كتاب ( البيان والتبيين ) للجاحظ تحقيق / عبد السلام هارون , الجزء الأول - صفحة 14 - 15 -16 - بتصرف .







رد مع اقتباس