سعيدان يقارن بين الزوجة المبذرة والقنوع شعراً
سـعد الحـافـي
أحدٍ في خيرٍ ومنعم
يبصط ويكيف في داره
ان دش السوق مغلدم
يلقى له درة محاره
يلقى عذراً يسفر وجهه
تجلى همه هو وامراره
حلوة منطوق وعجابه
طيب الدنيا كشف اخداره
ما يوحى حسه في بيته
ولا يومٍ يستاذي جاره
ولا يومٍ قالت وش عندك
ترضى بيساره واعساره
ان جاه شوي قنعت به
وان ما جا شيٍ عذاره
وأحدٍ عنده شيبة غابه
انطل من عنطل جواره
تبزي عن لك بالنقره
دايم تصلا رجله ناره
تقلب عينه ثم تحضرم
بهرجٍ كنه رجم حجاره
يسمع حسه من بالمجلس
تزقح كنه في منطاره
هذا وهي غبرا شينه
اشين من قبعرة الفاره
ايٍ هذي واي ذيك
اجارك ربي بجواره
الشاعر:
سعيدان عبد الهادي من شعراء مطلع القرن الرابع عشر الهجري من إحدى المدن النجدية.
مناسبة النص:
جاء عند الربيعي (رحمه الله) في تقديمه للنص "كان سعيدان رجلا أديبا وشاعرا، وله زوجة شناية خرقاء، لا يشبعها شيء، مبذرة، إذا جاء سعيدان بالطعام، كثيراً أو قليلاً لا يستقيم إلا أيام قلائل، فأدخل عليها في أحد الأيام حمل بعير من القمح، فما استقام غير شهر، فلما جاء ودخل البيت، قالت:يا سعيدان ترى ما بالعيش ما يكفينا شهر، لا تقول ما اخبرتيني ، وما في البيت غيرها، سعيدان وابنه ما يأكلون في البيت إلا قليلاً، وكان في وقت الصيف، وكان المنام ذاك الزمن بالسطوح، وكان له جار من الأخيار كداد حلال ...وله زوجة ذات حسن وجمال ودين وصيانة فصعد عليها زوجها السطح لما صلى العشاء للاستراحة والنوم، وكان مشتت الفكر ضيق الصدر، فلما جلس عرفت ما فيه وقالت له وش فيك على هذه الحالة قال: مابي إلا العافية، نامي بليلة خير.قالت: والله كاد يطب عيني النوم حتى أدري عما فيك؟ قال: أجل العيال الصبح باكر مالهم فطور. قالت إنا لله وإنا اليه راجعون، استغفر من ذنبك ما دريت أن الله يقول ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ، ولا نقل هم دونه الليل. فوسعت خاطره بالكلام والوعظ ، فناموا بليلة خير، هذا وسعيدان يسمع كلامهم فما رقد حتى نظم على هذا المعنى أبياتا من الشعر، فلما أصبحوا قال لابنه:رح يم جارنا أدعه للقهوة فجاء وجلس ، فقال سعيدان لزوجته:روحي كلمي جارتك تسمع ما نقول. فدعتها وجلست وراء الستارة وصبحتهم بالخير فقالت زوجة سعيدان: وش عندك؟ قال سعيدان مخاطباً جاره:يا محمد ابحني تراي البارحة تسمعت حديثكما وما صدر بينكما من الكلام ونظمت عليه أبيات من الشعر اسمعوا ما أقول وعمرك زوجتك يطول".
دراسة النص:
بدأ الشاعر قصيدته بالحديث عن الرجل الذي يرى من وجهة نظره أنه يعيش مرتاحا في بيته ويرفل في النعيم، فإذا جاء متكدراً من السوق وجد في البيت زوجة أشبه ما تكون بالدرة النفيسة ضاحكة الوجه تذهب عنه هذا الكدر والهم برقة الأسلوب وحلاوة الحديث فمن حظي بمثلها فقد حظي بطيب العيش في الدنيا، وهذه الزوجة إذا تحدثت فإنما صوتها همس لا يسمعه من في البيت وهي ذات خلق فاضل لم يشك جيرانها منها أذية، وهي قنوع لا تسأل زوجها مستهينة بما يقدمه لها بل همس راضية مقتنعة بالقليل أو الكثير سواء في وقت الشدة أو وقت الرخاء بل إنها دائما ما تجد العذر لزوجها حين يجد ما يقدمه لها، ثم ينتقل الشاعر للحديث عن النوع الآخر من الزوجات وهي على النقيض من الزوجة الأولى ويسميها(شيبة غابه) أي أنثى السبع المفترسة،بل يعتبرها"أنطل من عنطل"وهو مثل شعبي قديم يضرب للص الماهر الذي لا يبقي شيء إلا استحوذ عليه ، فيرى أنها فاقت عنطل في طمعها وسطوتها، ومع ذلك هي (جواره) كثيرة الولولة والسخط والتشكي لا يرضيها شيء ولا تستحمل أن ترى في مخزن الطعام شيء دون أن تنفده، وبكل بجاحة تطيل النظر في زوجها محدقة بعينيها وبجراءة متمتمة بكلمات غاضبة وكأنها ترميه بالحجر، وصوتها رفيع يسمعها من في غرفة استقبال الضيوف التي عادة تكون في الجهة الخارجية من البيت وهذا يعتبر من قلة الحياء ومع ذلك فهي ليست جميلة بل دميمة قبيحة أقبح من ذنب الفارة "هل كان مغصوباً عليها!" ثم يختم قصيدته طالباً الحكم على أي الزوجتين هي الأفضل.
أقول: قبل أن نحكم على أي الزوجتين الأفضل وفقاً لما صوره لنا الشاعر فلا شك أن الشاعر قد قال هذه القصيدة وهو ساخط على زوجته ومنحاز لزوجة جاره ولم يترك عيباً إلا وضعه فيها وهذا من مبالغات الشعراء غير المقبولة فربما تكون هي كريمة ابنة كرماء قد عودها أهلها على الإنفاق فأخذ هذا الجانب وضخمه وصوَّره بهذه الصورة الكريهة نتيجة غضبه الطارئ ولا شك أن هناك الكثير من الزوجات من هن يقاسمن أزواجهن الحلوة والمرة والصبر على الشدائد، ومع ذلك لا يرضى عنهن أزواجهن.
سعيدان يقارن بين الزوجة المبذرة والقنوع شعراً
العرض العادي
