الفرزدق يرتجل قصيدته العصماء في الحرم ...
عن الشعبي قال: حج الفرزدق بعد ما كبر، وقد أتت له سبعون سنة، وكان هشام بن عبد الملك قد حج في ذلك العام فرأى علي بن الحسين في غمار الناس في الطواف، فقال: من هذا الشاب الذي تبرق أسرة وجهه كأنه مرآة صينية تتراءى فيها عذارى الحي وجوهها؟ فقالوا: هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم، فقال الفرزدق :
هذا الذي تعرف البطحـاء وطأتـه
والبيـت يعرفـه والحـل والحـرم
هذا ابـن خيـر عبـاد الله كلهـم
هذا التقـي النقـي الطاهـر العلـم
هذا ابن فاطمـة إن كنـت جاهلـه
بجـده أنبيـاء الله قـد ختـمـوا
وليس قولك: مـن هـذا بضائـره
العرب تعرف من أنكـرت والعجـم
إذا رأتـه قريـش قـال قائلـهـا:
إلى مكـارم هـذا ينتهـي الكـرم
يغضي حياء ويغضي مـن مهابتـه
فمـا يكلـم إلا حـيـن يبتـسـم
بكفـه خيـزران ريحهـا عـبـق
من كف أروع فـي عرنينـه شمـم
يكـاد يمسكـه عرفـان راحـتـه
ركن الحطيم إذا مـا جـاء يستلـم
الله شـرفـه قـدمـاً وعـظـمـه
جرى بذاك لـه فـي لوحـه القلـم
أي الخلائق ليسـت فـي رقابهـم
لأولـيـة هــذا أولــه نـعـم؟
مـن يشكـر الله يشكـر أوليـة ذا
فالدين من بيت هـذا نالـه الأمـم
ينمي إلى ذروة الدين التي قصـرت
عنها الأكف وعن إدراكهـا القـدم
من جده دان فضـل الأنبيـاء لـه
وفضـل أمتـه دانـت لـه الأمـم
مشتقـة مـن رسـول الله نبعتـه
طابت مغارسـه والخيـم والشيـم
ينشق ثوب الدجى عن نور غرتـه
كالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم
من معشر حبهم ديـن، وبغضهـم
كفـر وقربهـم منجـى ومعتصـم
مقـدم بعـد ذكــر الله ذكـرهـم
في كل بـدء ومختـوم بـه الكلـم
إن عد أهل التقـى كانـو أئمتهـم
أو قيل من خير أهل الأرض قيل: هم
لا يستطيـع جـواد كنـه جودهـم
ولا يدانيهـم قـوم وإن كـرمـوا
يستدفـع الشـر والبلـوى بحبهـم
ويسترب به الإحسـان والنعـم...
رواية أخرى :
قال إسحاق بن محمد النخعي، فذكر أن هشاماً حج في حياة أبيه، فرأى علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهم يطوف بالبيت والناس يفرجون له. فقال: من هذا؟ فقال الأبرش الكلبي: ما أعرفه، فقال الفرزدق: ولكني أعرفه، فقال: من هو؟ فقال:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
وذك الأبيات.. إلخ.
قال: فغضب هشام فحبسه بين مكة والمدينة فقال:
أتحبسني بين المدينة والتي ... إليها قلوب الناس يهوى منيبها
يقلب رأساً لم يكن رأس سيد ... وعينا له حولاء باد عيوبها
فبلغ شعره هشاماً، فوجه، فأطلقه.