عقب الشريف عون بن مبارك بن عبدالله بن الحسن بن محمد أبونمي الثاني

 

  

    

آخر 10 مشاركات
نصائح عند شراء الذهب فى الإمارات.. استثمر بذكاء (الكاتـب : حسين دراز - مشاركات : 1 - المشاهدات : 28 - الوقت: 11:13 PM - التاريخ: 04-30-2024)           »          تحديث الصفحة نصائح عند شراء الذهب فى الإمارات.. استثمر بذكاء (الكاتـب : حسين دراز - مشاركات : 0 - المشاهدات : 19 - الوقت: 11:11 PM - التاريخ: 04-30-2024)           »          شركة تسويق سوشيال ميديا (الكاتـب : حسين دراز - مشاركات : 0 - المشاهدات : 4954 - الوقت: 09:38 PM - التاريخ: 12-01-2023)           »          شركات تسويق في جدة (الكاتـب : حسين دراز - مشاركات : 0 - المشاهدات : 2404 - الوقت: 08:17 PM - التاريخ: 12-01-2023)           »          برنامج نقاط بيع اون لاين (الكاتـب : حسين دراز - مشاركات : 0 - المشاهدات : 3290 - الوقت: 02:31 AM - التاريخ: 11-13-2023)           »          أنظمة نقاط البيع للمطاعم (الكاتـب : حسين دراز - مشاركات : 0 - المشاهدات : 3516 - الوقت: 03:25 AM - التاريخ: 11-09-2023)           »          أنظمة مطاعم نقاط البيع (الكاتـب : حسين دراز - مشاركات : 0 - المشاهدات : 3039 - الوقت: 03:15 AM - التاريخ: 11-09-2023)           »          نظام إدارة علاقات العملاء (الكاتـب : حسين دراز - مشاركات : 0 - المشاهدات : 3142 - الوقت: 02:57 AM - التاريخ: 11-09-2023)           »          برنامج إدارة المصروفات (الكاتـب : حسين دراز - مشاركات : 0 - المشاهدات : 3198 - الوقت: 02:38 AM - التاريخ: 11-09-2023)           »          كيف تسوق لمطعم (الكاتـب : حسين دراز - مشاركات : 0 - المشاهدات : 3079 - الوقت: 01:48 AM - التاريخ: 11-09-2023)


   
العودة   منتــدى العـونــة الـرســمي > قسم الصيد والرحلات البرية والبحرية > منتدى الصيد والرحلات البحرية
   
إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
   
   
قديم 09-07-2009, 12:38 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
صقر الجنيفا
العضو الذهبي

الصورة الرمزية صقر الجنيفا

إحصائية العضو






 

صقر الجنيفا غير متواجد حالياً

 


المنتدى : منتدى الصيد والرحلات البحرية
افتراضي غص غوّاص ـــــــــــــ سلسلة من الغوص المعرفي .

جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان يسأل ابن عباس عن القرآن فيقول له : غُصْ غوّاص .
أي غُصْ في العلم واستخرج مكنوناته يا غوّاص .
فأمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه – لم يجد أفضل من وصف الغوص كي يمنحه ابن عباس رض الله عنهما ذلكم الشاب الفتي الذي تفتحت لديه مواهب العلم والمعرفة .
وإنما كان طالب العلم مثل الغواص لأنه يقتحم المخاطر , ويعقد العزم على التعمق في أسرار المعرفة دون الاكتفاء بالأشياء السطحية الظاهرة , وهذا هو العلم الحقيقي النافع الذي ينفع صاحبه وقارئه .
ولعلمي بأن أخانا السر الكبير كبير الغواصين هنا في هذا المنتدى , ويحب الغوص في العلم كما يحبه في البحر , فإني أستأذنه بوضع هذه السلسلة المباركة من الغوص في المعارف والعلوم , وخاصة ما كان مرتبطاً بكتاب الله تعالى , وما يدور حول البحر وأسراره , وأتمنى من زملائي القراء الكرام أن يتحفوني بما عندهم من مشاركات أو ملحوظات أو اعتراضات بما يعود على الجميع بالفائدة العامة .

الحلقة الأولى : الغوص في القرآن .

جاء ذكر الغوص في القرآن في آيتين بلفظين مختلفين في سياق قصة واحدة , وهي قصة سليمان عليه السلام حينما امتنَّ الله عليه بتسخير الشياطين له :
قال تعالى : {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} (82) سورة الأنبياء {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ} (37) سورة ص
ففي الآية الأولى جاء لفظ الغوص بصيغة الفعل المضارع ( يغوصون ) وهذا يدل على الاستمرارية في العمل والدوام عليه .
وأما الآية الثانية فقد جاءت بصيغة المبالغة الدالة على المهنة والحرفة ( غوّاص ) بوزن ( فعّال , وهذه أيضا دالة على الاستمرارية في العمل والدوام عليه .

فما الذي نستنبطه من هذا التوافق الدلالي بين الصيغتين ؟

الذي يظهر لي والله أعلم أن الغوص من الأمور المحببة للنفس فمن استمرأ مهنة الغوص واعتاد عليها فإنه يسلك مسلك الاستمرارية والدوام , كما تفعل الشياطين بأمر سليمان التي سخرها ربنا جل وعلا لتستمر بهذا العمل .
وهناك أمر آخر وهو أن الغوص جاء منسوباً للشياطين , وهمْ خلق لهم قدرات عجيبة ركبها الله تعالى فيهم ( انظر الحيوان للجاحظ 6 / 265 ) وهذا يدل على أن الغوص من الأعمال الخطيرة التي لا يطيقها إلا الأشداء من الناس , وذلك أن سليمان وقومه مع ما أعطاهم الله من القوة والبأس إلا أنهم لم يستطيعوا الغوص فسخر الله له الشياطين كي تقوم بهذا العمل الشاق .
والعرب تضرب المثل بالشياطين في القوة والنفاذ , فيقولون للرجل القوي إنه شيطان
قال الجاحظ : " ربما قالوا ( ما فلانٌ إلا شيطانٌ ) على معنى الشهامة والنفاذ وأشباه ذلك " [ الحيوان 6 / 213 ] , وحين بالغوا في مدحِ أبي حنيفة النعمان قالوا بأنه شيطان خرج من البحر [ ثمار القلوب للثعالبي : 74 ]


.الحلقة الثانية : السمك والحوت في القرآن .

السَّمَكُ : معروف , وهو الحيوان البحري , وقال في لسان العرب : السمك : الحوت من خلق الماء . واحدته : سَمَكَة
وهو اسم جنس جمعي يفرق بينه وبين واحده بالتاء مثل : بقر وبقرة , وشجر وشجرة .
والحوت : هو السمك , وقيل : ما عَظُمَ منه . ومعناه : الرّوَغانُ في الحركة , يقال : حاوتني فلان : أي راوَغَنِي .
ولذلك سمي السّمك ( حوتاً ) لأنه يروغ في حركته .
وهو مفرد وجمعه : أحْوات , وحِوَتة وحِيتَان .
انظر هذه المعاني في : لسان العرب ( سمك , حوت ) .
وحينئذ فالمعاجم جعلت الحوت والسمك شيئا واحداً , وبعضهم أشار إلى أن من الحوت نوع عظيم الخلق , وهو المعروف حاليا , حيث يفرق الناس بين الصغير والكبير , فيجعولن الصغير باختلاف درجاته سمكا , ويجعلون الكبير العظيم حوتاً .
والصواب أن الجميع يطلق عليه : حوت وسمك .
حتى صغار السمك تسمى أحواتاً .
ولو بحثنا في القرآن الكريم لوجدنا أنه استخدم لفظ الحوت ولم يستخدم لفظ ( السّمك ) فجاء ذكر الحوت في خمسة مواضع من القرآن .
اثنان منها يدلان على الحوت العظيم المعروف , وثلاثة مواضع تدل على السمك المعروف .
فالآيتان اللتان تدلان على الحوت ما جاء في قصة يونس عليه السلام , وهي قوله تعالى : {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} (142) سورة الصافات , {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} (48) سورة القلم
وأما المواضع التي تدل على السمك المعروف ففي قصة موسى مع غلامه : {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} (61) سورة الكهف , {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} (63) سورة الكهف
وفي قصة بني إسرائيل الذين حرم عليهم صيد السبت , كما قال تعالى : {واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (163) سورة الأعراف

ففي قصة يونس دليل على أن الحوت الذي التقمه هو الحوت الضخم الكبير , وهذا ظاهر .
أما في قصة موسى مع غلامه فقد كان معهما سمكة معروفة ليست بالكبيرة ولا بالصغيرة , والدليل : ما جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قصة موسى مع الخضر فقال : " تأخذ حوتاً فتجعله في مكتل " والمكتل مثل الزنبيل يسع خمسة عشر صاعا ( لسان العرب : كتل ) وخمسة عشر صاعا تزن قرابة خمسة وأربعين كيلو غرام .
ومن المعروف أن موسى وغلامه سيحملان في المكتل حوتا لن يستغرق حجمها حجم الزنبيل كله , فدل على أنها : سمكة معروفة قد تزن ( 30 ) كيلو تقريبا .
وأما قصة بني إسرائيل مع الصيد فلا شك أنهم كانوا يصيدون السمك , بدليل أنه قال في الآية : ( إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً ) ومعنى : شرعا : أي ظاهرة على الماء كثيرة [ تفسير البغوي : 2 / 162 ] وهذا الوصف ينطبق على السمك الصغار وليس الحوت العظيم .
ما أريد أن أصل إليه من خلال هذا التحليل : أن الحوت والسمك لفظان مترادفان , فالحوت يطلق على السمك الصغير والكبير , والسمك كذلك .
وما يظنه بعض الناس أن الحوت هو السمك العظيم الضخم فقط فهو ظن في غير محله .

بقي أن أشير إلى أن الحوت الضخم ورد بالقرآن بلفظ آخر , وهو لفظ ( النون ) وهو لفظ لا يطلق إلا على الحوت الكبير .
قال تعالى عن يونس عليه السلام : {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (87) سورة الأنبياء

والله تعالى أعلم وأحكم .



الحلقة الثالثة : الفرق بين اليَمّ والبحر


جاء في لسان العرب أن اليم : هو البحر الملح , والنهر العذب , والدليل على ذلك أن أم موسى أمرت أن تلقيه في اليم وهو نهر النيل . [ لسان العرب : 12 / 647 ] .وجاء في تاج العروس :" اليم : البحر , وقال الأزهري : اسم اليم يطلق على ما كان ماؤه ملحاً زعاقاً , وعلى النهر الكبير العذب الماء وقد أمرت أم موسى حين ولدته وخافت عليه فرعونَ أن تجعله في تابوت ثم تقذفه في اليمّ وهو نهر النيل بمصر وماؤه عذب " انتهى من التاج . 9 / 114 ( يمم ) .وجاء استعماله في القرآن سبع مرات أربع منها في قصة غرق فرعون مع جنوده بعد أن أنجى الله موسى وقومه , واثنتان في قصة أم موسى حين وضعت رضيعها في التابوت فألقته في الماء كي ينجو من قتل فرعون , وموضع واحد في قصة السامري حين توعده موسى عليه السلام أن يلقي العجل في اليم .
وإليكم البيان :
1.وروده في قصة أم موسى حين ألقت ابنها الرضيع ( موسى ) في اليم , قال تعالى : {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (39) سورة طـه وقال سبحانه :{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (7) سورة القصصواليَمّ هنا : هو نهر النيل باتفاق أهل العلم , انظر : تاريخ الطبري : 1/389 , تفسير ابن كثير : 3 / 198 , 502 .
وهو هنا لم يرد في هذه القصة إلا بلفظ اليم .
2. وروده في قصة موسى مع فرعون حين تجاوز البحر وقصة غرق فرعون , وقد جاءت الآيات فيه لفظ البحر ولفظ اليَمّ , وجاء لفظ اليم في هذه القصة في أربعة مواضع وهي كالتالي : {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ} (136) سورة الأعراف {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} (78) سورة طـه, {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} (40) سورة القصص , {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ} (40) سورة الذارياتواليم هنا : هو خليج السويس الذي يفصل بين مِصر وجزيرة سيناء , فقد خرج موسى ببني إسرائيل إلى جزيرة سيناء , وفيها حصلت القصص الطويلة مع بني إسرائيل وواعد الله موسى عند جبل الطور , وفيها حصل التيه لبني إسرائيل , قال ابن كثير عند شرحه لمعنى طور سيناء : " وطور سيناء هو طور سينين , وهو الجبل الذي كلّمَ الله عليه موسى من عمران عليه السلام " تفسير ابن كثير : 3 / 324 , وانظر معجم البلدان : 3 /300 .ولأن الخليج الذي عبره موسى كان جزءا من بحر العرب الكبير ( البحر الأحمر ) فقد جاءت بعض الآيات بلفظ البحر ومن ذلك قوله تعالى :{فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} (63) سورة الشعراء3.. وروده في قصة موسى مع السامري الذي صنع العجل ,{قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} (97) سورة طـه . ومن المعلوم أن بني إسرائيل عبدوا العجل بعد أن عبروا خليج السويس , وذلك في جزيرة سيناء , وهي التي حصل فيها التيه العظيم , وحصلت فيها حوادث جسيمة لموسى مع بني إسرائيل فعبدوا العجل , وأمرهم الله بقتل أنفسهم , وقصة الاستسقاء , وذهاب موسى للقاء ربه عند الطور , وكل هذه الحوادث جاءت مفصلة في سورة البقرة والأعراف وطه وغيرهما .إذن فعبادة العجل حصلت في جزيرة سيناء قبل دخولهم الأرض المقدسة وهي فلسطين , كما نفهم من سياق الآيات التالية : {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} (77) {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} (78) {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} (79) {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} (80) {كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} (81) {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (82) {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى} (83) {قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} (84) {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} (85){فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي} (86) {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} (87){فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} (88) سورة طـه فنلحظ هنا أن عبادة العجل كانت في جزيرة سيناء .

فأين اليم الذي سيلقي فيه موسى العجل ؟الجواب ما جاء في سنن أبي حاتم من حديث رضي الله عنه أن موسى أخذ العجل فَبرده على شَطِّ نَهْرٍ , فلم يشرب أحدٌ من ذلك الماء ممن كان يعبد العجل إلا اصفرّ وجهه " تفسير ابن كثير : 3 / 220 .وفي هذا الأثر دليل على أن المراد باليم هو النهر , ولعله نهر في جزيرة سيناء , ولو فرضنا أن الأثر ضعيف فإنه ليس حول موسى إلا خليجان : إما خليج السويس الذي عبره وهو أقرب إليه , والثاني : خليج العقبة .

من خلال هذا العرض تبين لي أن ما يلي :
1. أنّ اليَمّ يطلق على النهر العذب .
2. ويطلق أيضاً على البحر المتقارب ساحلاه , وهو ما يسمى بالخليج .
3. يجوز إطلاق لفظ البحر على الخليج , فكل يَمٍّ بحر , وليس كل بحرٍ يَمّ
4. أما البحر فهو معروف , والمعروف لا يعرّف .هذا ما لدي في هذا الموضوع وأرجو أن أكون أتيت ما يفيد القارئ الكريم , ومَنْ كانت لديه إضافة فليفدنا بها مشكورا , وأخص بهذا الحديث أخي العزيز ( السر الكبير ) الذي أشار بأن لديه ما يضيفه حول هذا الموضوع .



الحلقة الرابعة : الريح العاصف والقاصف

.جاء في لسان العرب :
عصفت الريح تعصِفُ عَصْفاً وعُصُوفاً , وهي ريحٌ عاصفٌ وعاصِفَة ... إذا اشتدت , وفي التنزيل " والعاصفات عصفاً " يعني الرياح , والريح تعصف ما مرت عليه من جَوَلان التراب تمضي به .. وريح عاصفة : شديدة الهبوب ... والمعصِفات : الرياح التي تثير السحاب والورق وعصْف الزرع .. وهي من العصف وهي السرعة يقولون : أعصفت الناقة في السير إذا أسرعت . انتهى من لسان العرب ( عصف ) 9 / 248 .وجاء في اللسان أيضاً :
القصْف هو الكسر , وقصف الشيء يقصِفه قصفاً أي كسره .وريحٌ قاصفٌ وقاصفة : شديدة تُكسِّرُ ما مرت به من الشجر وغيره . ( لسان العرب ( قصف ) 9 / 283 . جاءت الريح في البحر في القرآن الكريم بتعبيرين :
الأول :الريح العاصف وهي قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (22) سورة يونسفبين سبحانه أن الريح العاصف هنا جاءت شديدة لتحرك السفينة وتسبب لها الاضطراب حتى هلع ركابها والتجؤوا إلى الله تعالى لينجيهم , ولذا جاء بعدها : {فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ } (23) سورة يونسوالعاصف هنا هي الريح شديدة السرعة .
وهي تكون في البر والبحر , فأما البحر فكالآية السابقة , وأما البر فكقوله تعالى : {مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ} (18) سورة إبراهيموقد تكون الريح العاصف ريح خير وبركة كقوله تعالى عن ريح سليمان :
{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} (81) سورة الأنبياء , والدليل على أنها ريح خير وليست ريح عذاب هو قوله تعالى: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ} (36) سورة ص .الثاني : الريح القاصف , وهي ريح مفاجئة شديدة لا تبقي ولا تذر , وهي تكسر السفن وتكسر كل ما تواجهه , ولذا جاء التعبير القرآني عنها بالهلاك المحتوم {أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} (69) سورة الإسراء .فعبر عن الريح هنا بأنها قاصف مغرقة و هي ريح بحرية .
وقد جاء في لسان العرب كما سبق أنها قد تكون في البر فتقتلع الأشجار .

ولو تأملنا الكلام عن الريح القاصف لوجدنا أنه قال سبحانه : (قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ ) فكانت صفة القصف ليست للريح كلها وإنما لقطعة منها , وكأن القطعة الكبرى هي الريح العاصفة المذكورة في آية يونس ولذا قال سبحانه في سورة يونس : ( جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ )ولكم أن تتخيلوا أحبتي الكرام حين تهب الريح العاصفة الشديدة في البحر على السفن , فيأذن الله تعالى لقطعة من هذه الريح أن تكون أعنف وأشد وطأة فتأتي بطريقة مفاجئة شديدة فتحدث انقلاباً شديدا للفلك وغرقا هائلاً , وهذه الريح هي القاصفة .
ويدل على أن الريح القاصفة جزء من الريح العاصفة أن القرآن لم يذكر القاصفة إلا مرة واحدة في سورة الإسراء , في حين أنه كرر العاصفة في أكثر من آية , ليدل على أنها هي الريح الأصل , وهي الأم .
قد يقول قائل : كيف تكون الريح قطعاً , فجزء منها عاصف وجزء منها قاصف ؟
فالجواب على ذلك :
أن هذا بأمر الله تعالى , وهو القادر على تنوع الريح , وكما جعل الله تعالى الليل قطعاً فهو قادر على جعل الريح قطعاً وأجزاء كما قال تعالى : {وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (27) سورة يونسولنلحظْ الفرق في النطق بين العاصفة والقاصفة .
فهما متقاربان في اللفظ لا يفرق بينهما إلا الحرف الأول وهو فاء الكلمة .
( عصف ) ( قصف ) وحرف القاف حرف شديد قوي مفخم , ينطلق فيحدث صوتا انفجاريا في الفم , ويخرج الصوت معه أفخم ما كان .أما العين فهي صوت رخو رقيق وهو مع ذلك صوت مجهور قوي ولكنه ليس بقوة وفخامة القاف , فناسب مجيء الصوت القوي للحدث القوي وهو القصف , ومجي الصوت الأضعف للحدث الأضعف وهو العصف .وهذا يسمى في لغة العرب : مشابهة اللفظ للمعنى , ولابن جني كلام جميل ولطيف حول هذا الموضوع في كتاب الخصائص : باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني : 2 / 154 .
فليراجعه من أراد الاستفادة .
في ختام كلامي ألخص ما سبق :
1.أن الريح العاصف والريح القاصف يكونان في البر والبحر , وليس كما توهمه كثير من الناس أن العاصف في البر والقاصف في البحر .

2.أن الريح العاصف أوسع وأكبر من الريح القاصف , في حين أن الريح القاصف تكون سريعة ومفاجئة .

3.أن الريح العاصف قد تكون رحمة , أما القاصف فهي لا تكون إلا عذاباً لأنها تحدث غرقا في البحر ودماراً وانكساراً في البر .والله تعالى أعلم , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .



الحلقة الخامسة : صيد البر والبحر :

قال الله تعالى : {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (96) سورة المائدة

لماذا حرم الله صيد البر على المحرم , وأجاز له صيد البحر ؟

بحثت عن العلة وراء الحكم السابق فلم أعثر على شيء بين , فحاولت الالتماس لعل الله أن يوفقني إليه , ووجدت أن العلة تدور حول ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : أن الغالب على صيد البحر أن يكون لحاجة ماسة , فهو طعامُ أقْوامٍ وشُعُوب ولذلك قال الله تعالى ( متاعاً لكم وللسيارة ) , فهو متاع لمن يصطاده , أما صيد البر فالغالب فيه أن يكون للترفُّه والتَّنَعُّم , وزيادة في الاستمتاع , ولما كان الْمُحْرِمَ مأموراً بالخشوع والخضوع لله والابتعاد عن ملذات الدنيا من الطيب والنساء أُمِرَ أن يبتعد عن الترفه بالصيد .

الوجه الثاني : أنّ الْمُحْرِمَ في الغالب لا يكون لديه صيد البحر قريباً من متناولِ يديه , لأنه في جبال مكة القاحلة , فالامتحان فيه أقل , أما صيد البر فهو قريبٌ له وبين يديه , فحرِّم عليه القريب امتحاناً وابتلاء ليُعلمَ الصابر المطيع كما قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (94) سورة المائدة .
ولعلنا نلحظ هنا أن الله تعالى قال : " تناله أيديكم ورماحكم " وهذا يدل على أنه صيد بري , لأن صيد البحر لا يكون في متناول اليد والرماح , بل إن الرماح لا تستخدم في صيد البحر في الأصل .

الوجه الثالث : أنّ صيدَ البَحْرِ ليس فيه إراقة دم في الغالب حيث يتمُّ الصيد بالشبكات والسنارات , أما صيد البر فلا يتم إلا بإراقة الدم والقتل , ولذلك قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } (95) سورة المائدة .
وأما صيد البحر فليس فيه قتل ( في الغالب ) فأباحه .


الحلقة السادسة : الصيام والتقوى .

لما فرض الله الصوم على عباده بيّنَ لهم الحكمة الجليلة من هذه العبادة العظيمة فقال سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (183) سورة البقرة .
فبيّنَ هنا أن التقوى هي الحكمة العظيمة من الصوم , وكل الفوائد الجليلة المستمدة من الصوم إنما هي متفرعة عن التقوى , ولذلك جاء التعبير بالفعل المضارع الدال على الاستمرار والتجدد ( تتقون ) , فكأن المسلم إذا صام كل يوم , فإن التقوى تتجدد معه يومياً .

فما هي التقوى ؟ وكيف يكون الصيام جالباً للتقوى ؟

التقوى : هي اسمٌ مأخوذ من الفعل : وَقِي ثم دخلت عليه الزوائد فصار : اتقى يتَّقي تُقى وتَقِيَّةً وتُقاة بمعنى : الحذر . وأصل معنى التقوى : الوقاية والحذر من الشيء كما قال النابغة :
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتقتنا باليد


أما المعنى الشرعي للتقوى فقد اختلف فيه بين أهل العلم بمعاني متقاربة تؤدي إلى غرض واحد , ولعل أقواها وأجودها وأوضحها ما ورد عن الحسن البصري رحمه الله : بأن التقوى :" أن تجعل بينك وبين الله وقاية بفعل أوامره واجتناب نواهيه "([1]) .

كيف يكون الصيام جالباً للتقوى ؟

حينما نتأمل عبادة الصيام نجد أن لها حكما عظيمة كلها ترجع إلى معنى التقوى الواسع , ومن تلك الحكم التي تجلب التقوى([2]) :

1.أن الصوم عبادة يتقرب فيها العبد إلى ربه بامتثال أمره بترك محبوباته من طعام وشراب ونكاح . راجياً ثواب الله تعالى , فيظهر بذلك صدق إيمانه , وكمال عبوديته لله وقوةُ محبته له ورجائه ما عنده , فإن الإنسان لا يترك محبوباً له إلا لما هو أعظم عنده منه .

2.أن الصوم يدرب على مراقبة الله تعالى , فيترك الصائم ما تهواه نفسه , مع قدرته عليه , لعلمه باطلاع الله عليه , وهذا أساس التقوى .

3.أن الصوم يضيق مجاري الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم , والصوم يضعف نفوذه , وتقل منه المعاصي .

4.أن الإكثار من تناول الشهوات يستوجب الغفلة وقسوة القلب , والتخفيف منها يستوجب يقظة القلب والروح , فيكون الإنسان متصلاً بربه , منشغلاً بطاعته .

5.أن الصوم يمرن على ضبط النفس والسيطرة عليها , وإمساك زمامها عن الوقوع في المعاصي والشهوات المحرمة .

6.أن الصوم يكسر من حدة النفس وكبريائها , ويوجب الخضوع واللين .

7.أن الغني إذا ذاق ألم الجوع والظمأ عرف قدر نعمة الله عليه , فيستوجب زيادة في الحمد والشكر , ومواساة الفقراء , وهذا من التقوى .

8.أن الصائم تكثر طاعته غالبا من صيام وصدقة وقراءة قرآن , وهذه من خصال التقوى .

9.قلتُ : من أبرز العلاقة بين الصوم والتقوى أن الصوم يكون في رمضان , وشهر رمضان هو الشهر الذي نزل فيه القرآن كما قال تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } (185) سورة البقرة , وكتاب الله تعالى جاء بالتقوى , وبيّنَ سبحانه أن القرآن فيه هدى للمتقين {الم , ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} سورة البقرة , وحينئذ فالصوم جالب للتقوى من خلال الإكثار من قراءة القرآن العظيم الذي أنزل في رمضان , وهو سبيل التقوى وعنوانها , كما قال سبحانه أيضاً : {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} (113) سورة طـه , وقال سبحانه : {قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (28) سورة الزمر .

فهل رأيتم مثل هذا التلازم العظيم ؟

القرآن سبب للتقوى , وأُنْزِلَ في شهر الصيام , والصيام سبب للتقوى . إذن فما أقوى العلاقة بين الصيام وقراءة القرآن ! وما أعظم أن يكثر الصائم من تلاوة كتاب الله تعالى علّه أن يظفر بالتقوى من جهتين :
من جهة الصيام , ومن جهة الكتاب العزيز , وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

هذه أبرز مظاهر التقوى التي تُستجلب بالصوم , والحديث فيها يطول , ولكن كما قيل : يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق .

فما أعظم حكمة الله تعالى وأبلغَها , وما أنفعَ شرائعَه للخلق وأصلحها .

____________________

([1]) تفسير ابن كثير : 1 / 58 .

([2]) انظر في هذه الحكم ( من 1-8 ): تفسير السعدي 1/162-163 , مجالس شهر رمضان لابن عثيمين : 63 – 66 .


الحلقة السابعة : تأملات في آيات .( 1 ) :
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
فإني أطرح بين أيدي القراء الكرام بعض التأملات في آيات القرآن الكريم , مما عنّ لي في هذا الشهر الكريم أو غيره , وقد أمرنا ربنا بتدبر الكتاب العزيز ليزداد إيماننا , ولنتذكر إن كنا من أصحاب العقول والألباب : {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (29) سورة ص .
التأمل الأول :

قال الله تعالى : {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} (72) سورة النحل .
وقال سبحانه : {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ } (67) سورة العنكبوت .
إذا تأملنا الآيتين السابقتين وجدناهما ينتهيان بجملة متشابهة (أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ) (أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ).
ولكن بينهما فرق لطيف , وهو أن آية النحل فيها الضمير ( هم ) في حين أن آية العنكبوت ليس فيها الضمير .
فما السر يا ترى ؟
تأملت مليا في الآيتين لأعرف الفرق , فوجدت أن الآيتين تتحدثان عن نِعَمِ الله تعالى على الناس , ولأن أولى الناس بالخطاب هم العرب الذين نزل فيهم القرآن , وهم أول من أنكره وكفر به , فإن آية النحل تتحدث عن نِعَمٍ عامة يشترك فيها البشر كلهم , وهي نعمة الأزواج والأولاد والرزق من الطيبات , فجاء الضمير ( هم ) لإرادة الاختصاص بأنكم أيها المخاطبون أول من كفر بهذه النعم .
أما آية العنكبوت فتتحدث عن نعمة الحرم الآمن , وهي نعمة خاصة بالعرب , فلما جاء بيان إنكارهم لهذه النعمة لم يأت الضمير ( هم ) ؛ لأنه لا أحد يشاركهم في هذه النعمة , فلا مقام للاختصاص هنا .
والله تعالى أعلم .


التأمل الثاني :
قال تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (143) {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } (144) سورة البقرة .
تتحدث هذه الآيات عن القبلة , وتحويلها من بيت المقدس إلى البيت الحرام .
وقد أثبت العلم الحديث أن الكعبة تمثل مركز الكرة الأرضية , أي مركز الوسط فيها , وقد جاء ذكر الوسطية هنا ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) , ولم يأت في موضع آخر من القرآن , وهو موضعٌ ذكرت فيه آيات القبلة والتوجه إليها , فكأن فيه إشارة إلى أن هذه الأمة وسط في العقيدة والشرائع والأخلاق , وكذلك المكان . فقبلة المسلمين وسط العالم أجمع .
فجاء ذكر الوسطية هنا لتدل على شمول الوسطية الحسية ( المكان ) والمعنوية ( الدين والشريعة ).
ويدل على وسطية المكان قوله تعالى في موضع آخر : { وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا } (92) سورة الأنعام , وقوله سبحانه : { لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا } (7) سورة الشورى .
فجعل الله تعالى أم القرى وسطا بين ما حولها , لأن القرى الأخرى إن كانت حول مكة فهي دائرة عليها , ومكة ستكون في الوسط . والله تعالى أعلم .



منقووول







رد مع اقتباس
   
   
قديم 09-14-2009, 12:26 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
SaaD AL-AoWNey
عضو متألق

الصورة الرمزية SaaD AL-AoWNey

إحصائية العضو







 

SaaD AL-AoWNey غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : صقر الجنيفا المنتدى : منتدى الصيد والرحلات البحرية
افتراضي

جزاك الله خير

كل الشكر لك

وماقصرت على المجهود و الموضوع الطيب

تقبل مروري وأحترامي لك

أخوك/ سـعـد العـوني







رد مع اقتباس
   
   
قديم 09-14-2009, 04:26 AM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
صقر الجنيفا
العضو الذهبي

الصورة الرمزية صقر الجنيفا

إحصائية العضو






 

صقر الجنيفا غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : صقر الجنيفا المنتدى : منتدى الصيد والرحلات البحرية
افتراضي

وياك وجميع المسلمين

اخوي سعد اشكرك على مرورك

الرائــــــــــــــــــــــــــــع







رد مع اقتباس
   
   
قديم 10-29-2009, 07:04 AM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ا لــخــر يــنـــج
عضو متألق جدا

إحصائية العضو







 

ا لــخــر يــنـــج غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : صقر الجنيفا المنتدى : منتدى الصيد والرحلات البحرية
افتراضي

يعطيك العافيه على الموضوع والمجهود الرائع

كل الشكر لك وتقبل مرورى







رد مع اقتباس
   
   
قديم 02-05-2010, 02:39 AM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
صقر الجنيفا
العضو الذهبي

الصورة الرمزية صقر الجنيفا

إحصائية العضو






 

صقر الجنيفا غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : صقر الجنيفا المنتدى : منتدى الصيد والرحلات البحرية
افتراضي

الله يعافيك أخي الخرينج . لاهنت على المرور







رد مع اقتباس
   
   
قديم 05-04-2010, 09:38 PM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
عبدالعزيز فلاح الدغيم
عضو متألق جدا

إحصائية العضو







 

عبدالعزيز فلاح الدغيم غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : صقر الجنيفا المنتدى : منتدى الصيد والرحلات البحرية
افتراضي

مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه







رد مع اقتباس
   
إضافة رد

   
مواقع النشر (المفضلة)
   


   
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
   


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir