العدل بين الزوجات
ومن المفاهيم الخاطئة أيضا ما يتداوله بعض الناس من قولهم : " أن شرط جواز تعدد الزوجات هو العدل بينهن ، ولا يمكن للرجل أن يعدل بين الزوجات لقول الله تعالى : {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ }[ النساء/129 ] ، وعليه فلا يحل له أن يعدد لأنه بدلالة الآية لا يستطيع العدل بين النساء " .
أقول : إن من المؤسف حقا أن تجد هذه المفاهيم المغلوطة رواجا بين الناس في زمن سهل فيه الاتصال بأهل العلم ، بل اكتفى كثير منهم بتلقي هذه المسائل الشرعية من كل من هب ودب ، فمسائل الشرع أصبحت عند كثير من الناس من الأمور المشاعة التي يحق لكل أحد أن يخوض فيها؟!
فسبحان الله !
لو كان أمرا من أمور الدنيا لتحر الناس عمن يأخذون عنه ، فهل هانت علينا شريعة الإسلام حتى تؤخذ من الجهلة والغوغاء بل ومن أعداء الله أحيانا .
قال ابن رجب –رحمه الله -: " يا لله العجب ، لو ادعى رجل معرفة صناعة من صنائع الدنيا ولم يعرفه الناس بها ، ولا شاهدوا عنده آلاتها لكذبوه في دعواه ولم يأمنوه على أموالهم ولم يمكنوه أن يعمل فيها ما يدعيه من تلك الصناعة ، فكيف بمن يدعي معرفة أمر الرسول وما شوهد قط يكتب علم الرسول ولا يجالس أهله ولا يدارسه ؟ فلله العجب كيف يقبل أهل العقل دعواه ، ويحكمونه في أديانهم يفسدها بدعواه الكاذبة ؟ " الحكم الجدير بالإذاعة 129 .
وعودا على بدء ، أقول : أن العدل المنفي في الآية الأولى المراد به عند العلماء هو ميل القلب والجماع .
قال ابن جرير الطبري – رحمه الله - : " يعني جل ثناؤه بقوله ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء لن تطيقوا أيها الرجال أن تسووا بين نسائكم وأزواجكم في حبهن بقلوبكم " التفسير (5/313) .
وقال القرطبي – رحمه الله - : " قوله تعالى ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل أخبر تعالى بنفي الاستطاعة في العدل بين النساء وذلك في ميل الطبع بالمحبة والجماع والحظ من القلب فوصف الله تعالى حالة البشر وأنهم بحكم الخلقة لا يملكون ميل قلوبهم إلى بعض دون بعض ولهذا كان عليه السلام يقول اللهم إن هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " (5/407)
وقال الجصاص – رحمه الله - : " وأما قوله تعالى فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة فإن معناه والله أعلم العدل في القسم بينهن لما قال تعالى في آية أخرى ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل والمراد ميل القلب والعدل الذي يمكنه فعله " أحكام القرآن(2/348).
وقال ابن كثير – رحمه الله - : " وقوله تعالى ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم أي لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه فإنه وإن وقع القسم الصوري ليلة وليلة فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع ... عن ابن أبي مليكة قال نزلت هذه الآية ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم في عائشة يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبها أكثر من غيرها كما جاء في الحديث ... كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني القلب " (1/564) .