عقب الشريف عون بن مبارك بن عبدالله بن الحسن بن محمد أبونمي الثاني

 

  

    

آخر 10 مشاركات
شركة تسويق سوشيال ميديا (الكاتـب : حسين دراز - مشاركات : 0 - المشاهدات : 3687 - الوقت: 09:38 PM - التاريخ: 12-01-2023)           »          شركات تسويق في جدة (الكاتـب : حسين دراز - مشاركات : 0 - المشاهدات : 2064 - الوقت: 08:17 PM - التاريخ: 12-01-2023)           »          برنامج نقاط بيع اون لاين (الكاتـب : حسين دراز - مشاركات : 0 - المشاهدات : 2888 - الوقت: 02:31 AM - التاريخ: 11-13-2023)           »          أنظمة نقاط البيع للمطاعم (الكاتـب : حسين دراز - مشاركات : 0 - المشاهدات : 3132 - الوقت: 03:25 AM - التاريخ: 11-09-2023)           »          أنظمة مطاعم نقاط البيع (الكاتـب : حسين دراز - مشاركات : 0 - المشاهدات : 2685 - الوقت: 03:15 AM - التاريخ: 11-09-2023)           »          نظام إدارة علاقات العملاء (الكاتـب : حسين دراز - مشاركات : 0 - المشاهدات : 2798 - الوقت: 02:57 AM - التاريخ: 11-09-2023)           »          برنامج إدارة المصروفات (الكاتـب : حسين دراز - مشاركات : 0 - المشاهدات : 2869 - الوقت: 02:38 AM - التاريخ: 11-09-2023)           »          كيف تسوق لمطعم (الكاتـب : حسين دراز - مشاركات : 0 - المشاهدات : 2719 - الوقت: 01:48 AM - التاريخ: 11-09-2023)           »          نظام المبيعات (الكاتـب : حسين دراز - مشاركات : 0 - المشاهدات : 2755 - الوقت: 03:10 AM - التاريخ: 11-02-2023)           »          طلب نقاط بيع (الكاتـب : حسين دراز - مشاركات : 0 - المشاهدات : 2544 - الوقت: 02:57 AM - التاريخ: 11-02-2023)


   
العودة   منتــدى العـونــة الـرســمي > القسم الأدبي > منتدى الأدب أصوله وفنونه
   
إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
   
   
قديم 04-13-2013, 11:37 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
جو عشري
عضو متألق جدا

إحصائية العضو






 

جو عشري غير متواجد حالياً

 


المنتدى : منتدى الأدب أصوله وفنونه
افتراضي وقفات على إبداعاتٍ للجاحظ اللغوية واوّليّاتٍ ( 1 )

الجاحظ علامة بارزة في التراث العربي، وله إسهام في فروع المعرفة المختلفة، ومناشط الفكر الإنساني المتنوعة، لايسع أيّ مهتمٍّ بفرع من فروع المعرفة أن ينأى بنفسه عن وقفة مع تراثه وفكره، ومن هذه المناشط اللغة وتوظيفها في حياة الإنسان ، وسوف تتناول الورقة شيئًا من إبداعات الجاحظ واوّليّاته في الفكر اللغوي ، ودرس اللغة وتذوّقها، وإسهامه فيها ، وهي – في الغالب – إبداعات لم يتطرّق لها أهل اللغة القدامى، وأهملها لغويو عصره، والتفت لها أبو بحر، مثل :
1- تقريره بعض معايير جودة اللفظ أو التركيب أو الاستعمال اللغوي؛ فالأسير والأشهر والأكثر استعمالا ليس بالضرورة هو الأفضل.
2- التنبّه إلى مستويين من اللغة: تواصلي، وتداولي، وإسهام الإشارة وما في حكمها في تكوين لغة التواصل، ومزايا اللغتين أو المستويين .
3- علاقة اللفظ بالمعنى، بطريقة تختلف عمّا لدى اللغويين والنحاة.
4-أنواع الدلالات الخمس على المعاني، وهو شيء، لعلّه اقتبسه من الإمام الشافعي أو غيره، وأحسن توظيفه في الدرس اللغوي.
5- الإشارة والإسهام يشيء أو أمور تعدّ من علم اللغة النفسي، مما يمكن اعتباره شواهد تراثية لعناية العرب بمثل هذا العلم .
6- وكذا إشارات إلى مبادئ من علم اللغة الاجتماعي، ولعلّ الورقة تأتي على إيضاحٍ أكثر لهذا من خلال الأمثلة وتحليلها .
7- التنبيه إلى قوانين لغوية عامة لا تختص بها لغة دون لغة .
وقد انتهى العمل إلى مجموعة من النتائج ، والتوصيات دوّنتها في آخر العمل .

**********
عاش الجاحظ النصف الأخير من القرن الثاني الهجري والنصف الأوّل من القرن الثالث ، وكان هذا العصر عصر ازدهار، وتدوين العلوم خاصة علوم اللغة العربية وآدابها، بعد أن نضِجت بشقَّيها الرواية والدراية، المنقول والمعقول، النص والقياس، كما عاش في مهاد علوم العربية، من نحو، ولغة، وأدب، وشعر، مدينة البصرة، التي نشأت فيها تلك العلوم، وكانت أوّلياتها على يد أبنائها من عرب وموالي، وكانت ملتقًى ثقافيًّا يمتزج فيها الأدب باللغة ، والقراءة والفقه بالحديث، وعلم الكلام والفلسفة بالوعظ والقصِّ، وسائر الثقافات والمعارف، كما تمتزج فيها الأعراق من عرب وعجم، كما انتشرت فيها حوانيت الورّاقين التي تحوي كتب العصر ومقالاته، ومن هذه البيئة طلع لنا الجاحظ الذي ملأ الدنيا علمًا وأدبًا وخلّف لنا تراثًا فكريًّا متنوِّعًا، ولم يقف عند الرواية عن أشياخه ، بل جاوز ذلك فطالع كلَّ ما وقعت يده عليه، وقرأ ما بلغه ووصل إلى علمه من كتب ومقولات في دكاكين الورّاقين التي كان يستأجرها ويبيت فيها الليالي قارئًا باحثًا .
وقد شارك الجاحظ أهل اللغة ما تكلموا فيه من مسائلها وقضاياها، مثل : الأصوات، وائتلافها، والألفاظ، أو المفردات، ودلالاتها الأربع من تباين وترادف واشتراك وتضادٍّ، وتصنيف الألفاظ بين أصيلة ومولّدة ، وتصريف الكلم، واستعمالات الألفاظ، وما يعتري اللفظ من وضع، وتسمية، واستعمال مجازي، وما أحدثه الإسلام من ألفاظ، وما أوجب هجره، وما أسبغه على ألفاظٍ معروفة من معاني إسلامية لم تكن العرب تعرفها، كما تطرّق لغريب الألفاظ وشرحها، ومتى يكون استعمالها سائغًا مقبولا، ووضع المصطلحات وما يتصل بها، واللغة بين التوقيف أوالإلهام والتوفيق، وبعض القوانين اللغوية المشتركة التي تعدّ في الوقت من موضوعات "علم اللغة العام" مثل اشتراك اللغات على اختلافها بقوانين واحدة، وعدم أفضلية لغة على لغة من ناحية الإفهام والبيان، وإن فضّل العربية من أجهٍ أخرى، وهذه المباحث والموضوعات توارد عليها أهل اللغة، وبنظرة عجلى في كتاب"الصاحبي" لابن فارس نجد تبويبًا لهذه الموضوعات، وهذا النوع لن نقف عنده، وإن كان مصدره الأول، فلو أذنت لبعض نصوص ابن فارس أن ترجع إلى أصولها ومن حيث جاءت لرجع بعضها إلى الجاحظ، أو من تأثّروه كابن قتيبة.
وحين نقرأ في كتب الجاحظ نقف على إشارات إلى كثير ممّا تفخر به الدراسات الألسنية المعاصرة، ومبادئ لفروع من الدراسات اللغوية، وهي نوع من البدايات التي تسبق تكوّن العلوم، بل تسبق مرحلة المعارف. والجاحظ لا يقدّم لنا نظريات كاملة، وإنما يبث أشياء متفرِّقة من الأفكار والمعارف اللغوية، والخواطر، والقصص والحكايات والأخبار، وعلى المشتغلين بعلوم اللغة أن يتعاملوا معها على أساس أنها مادّة أوّليّة صالحة للدرس والتحليل والاستنباط، ولا يعاملوها على أنها حقائق علمية.
وميزة فكر الجاحظ أنّه من الفكر المسكوت عنه في علوم اللغة التي يتناقلها المتعلمون من نحو وصرف ولغة وبلاغة.
*********
باب البيان [حد البيان]:
قال بعض جهابذة الألفاظ ونقاد المعاني: المعاني القائمة في صدور الناس المتصورة في أذهانهم، والمتخلجة في نفوسهم، والمتصلة بخواطرهم، والحادثة عن فكرهم، مستورة خفية، وبعيدة وحشية، ومحجوبة مكنونة، وموجودة في معنى معدومة، لا يعرف الإنسان ضمير صاحبه، ولا حاجة أخيه وخليطه، ولا معنى شريكه والمعاون له على أموره، وعلى ما لا يبلغه من حاجات نفسه إلا بغيره. وإنما يحيي تلك المعاني ذكرهم لها، وإخبارهم عنها، واستعمالهم إياها. وهذه الخصال هي التي تقربها من الفهم، وتجليها للعقل، وتجعل الخفي منها ظاهرا، والغائب شاهدا، والبعيد قريبا. وهي التي تلخص الملتبس، وتحل المنعقد، وتجعل المهمل مقيدا، والمقيد مطلقا، والمجهول معروفا، والوحشي مألوفا، والغفل موسوما، والموسوم معلوما.
وعلى قدر وضوح الدلالة وصواب الإشارة، وحسن الاختصار، ودقة المدخل، يكون إظهار المعنى. وكلما كانت الدلالة أوضح وأفصح، وكانت الإشارة أبين. [البيان والتبيين 1/ 81] وأنور، كان أنفع وأنجع. والدلالة الظاهرة على المعنى الخفي هو البيان الذي سمعت الله عز وجل يمدحه، ويدعو إليه ويحث عليه. بذلك نطق القرآن، وبذلك تفاخرت العرب، وتفاضلت أصناف العجم.
والبيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضمير، حتى يفضي السامع إلى حقيقته، ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان، ومن أي جنس كان الدليل، لأن مدار الأمر والغاية التي يجري القائل والسامع(إليه)، إنما هو الفهم والإفهام، فبأي شيء بلغت الإفهام، وأوضحت عن المعنى، فذلك هو البيان في ذلك الموضع.
ثم اعلم- حفظك الله- أن حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ، لأن المعاني مبسوطة إلى غير غاية، وممتدة إلى غير نهاية، وأسماء المعاني مقصورة معدودة، ومحصلة محدودة. [البيان والتبيين 1/ 82]
**********
اللغة من مشتركات الحياة؛ إذ الناس بل مستعملوها فيها على درجة سواء من ناحية الإتاحة، ولكلٍّ منهم أن يتعلّم منها حسب حاجته، وأن يكتسب منها حسب طاقته، ولأهل اللغة كما لطلابها تلمّس الحاجة والطاقة، وفي اللغة ثلاثة مستويات:
أولها: المستوى التواصلي ، ونقصد به ما يؤدِّي غرضًا آنيًّا محدودًا بالزمان والمكان وأطراف الخطاب، ولا يقبل التدوين لعدم الحاجة إلى تدوينه، أو عدم قابليّته للتدوين, وهو معظم كلام البشر.
ثانيها: المستوى المعتاد الذي يعبّر عن المعنى بتحقيق الحدِّ الأدنى من الصحة، وسلامة النظام، بما يوصل الفكرة إلى المتلقِّي، وهو صالح للتداول.ويمكن تداوله وتناقله في غير المقام الخاص الذي أنشئ من أجله.
ثالثها: المستوى الإبداعي: ويمثِّل اللغة العالية التي تجمع مزايا الكلام الجيِّد، في مضمونه، وصياغته،وهو مستوًى ذو قيمة فنية عالية،فيها مقوِّمات أعلى من مقوِّمات اللغة المعتادة، كالشعر،والنثر الفني، وبعض الأنماط الأخرى من الكلام.
ودرس العربية باختلاف أنواعه ومقاصده يعنى بالنمط الثالث، وإن كان يلمّ بالثاني من باب أنه لازم لدرس الثالث، ويهمل النمط التواصلي- على الرغم من حجمه في حياتنا، وسعة استخدامه, وقوّة الحاجة إلى ممارسته.
فالمستوى التواصلي ، وهو غير ملائم للكتابة ، وله مزايا، منها : التوسّع في الترخّصات، ومشاركة اللغة المنطوقة للدلالات الأخرى، كالإشارة، وأنها لغة خاصة بمقامها الذي أنشئت من أجله، مثل كلام الفرّاء مع الخليفة، والحوار، ولغة المعلّم، بل أكثرية الكلام ينشأ من أجل التواصل. واللغة التواصلية لغة عفوية ، لا تكلّف فيها، ولا مراجعة لها ولا تنقيح؛ فقد يوظِّف المتكلّم الإشارة باليد حين تقول: زيد، وأنت تشير إليه بيدِك، وفي النداء تشير بيدك، وتقول: تعالَ، أو العكس: تقول: محمّد، وتشير بيدك: أن تعالَ، أو تستغني بالإشارة عن اللفظين تعبيرًا عن المعنيين: النداء، والإشارة، تقول بيدك : أن يا محمّد أقبلْ أو تعالَ. كما يوظّف المكملات الصوتية الأخرى، من نبرٍ، وتنغيمٍ، وتزمين، وتلوين، للتعبير عمّا يريده من معنًى.
فالمستوى التواصلي الذي يقال في مقام خاص، ويؤدّي غرضًا آنيًّا محدودًا بالزمان والمكان وأطراف الخطاب، ولا يجري عليه التدوين في الغالب؛ لعدم الحاجة إلى تدوينه، ثم هو لا يصلح للتداول فيما بعد، وهو معظم كلام البشر وأكثره ، ولو قيل 99% من الكلام وما يدور من لغة وحديث وحوار هو من هذا المستوى، بل كلّ ما يجري على الألسنة من حديث المجالس والفكاهة والطرفة، بل لغة المدرِّس في فصله من هذا المستوى، ولا يرقى إلى المستوى التداولي، وهو بحكم آنيّته يتطلّب شيئًا من اليسر، والسهولة، والاقتصاد، ولا يلتزم بقواعد النحو القياسية بقدر ما يلتزمه من نجاح في الأداء والفائدة، ثم هو مستوًى يتميّز بالأخذ في الترخصات، وأن الكلام فيه تغلب عليه العفوية، ثمّ هو يمثِّل كلام الناس العفويَّ ، وكلامهم الفطريّ على سجيّتِهم، دون تكلُّف؛ فالمتكلّم يهمّه أن يتواصل مع الآخرين، وأن يفهم ما يريد، باقتصاد وجهدٍ قليلٍ، وبأخصر طريق، وأيسر سبيلٍ. وأن بعضه يؤدَّى بالصوت وبعضه يؤدّى بوسيلة دلالية أخرى غير لغويّة، مثل الإشارة وحركات العين، وأخيرًا هو مستوًى يراعي المقام، ولا يتكلّف كالمستوى التداوليّ، وقد أسلفنا الحديث عنه.
وكان التواصل ينحصر في اللغة الشفويّة ، والخطأ الشفهيّ والحوار ، وقد كان هذا النوع يمثِّل نسبة تجاوز 95% من اللغة المستعملة ، والتي تصدر عن مستخدمي اللغة، أيّ لغة كانت، بل هناك لغات لا تعرف غير هذا النمط ، ولا تعرف لغة مكتوبة فضلا عن لغة أدبية إبداعية عالية. ثمّ تغيّر التواصل في عصرنا ، وظهرت أنماط صارت تضارع أو تقارب لغة المشافهة، فصار لدينا البريد الإليكتروني، والماسنجر، ولغات المحادثة و الحوار والمخاطبة المكتوبة، كما يجري في غرف المحادثة من خلال الشبكة، من مثل ما يسمونه (الشات)، ولغتها في الغالب لا تختلف عن لغة الخطاب والحوار الشفهي إلا في كتابته في وسيلة أليكترونية، وهذا يفرض على أهل العربية أن يقتحموه؛ ليكون لهم رأيٌ واجتهاد في صناعة لغة تواصل جديدة تتوزّع بين المشافهة والكتابة بالوسائل الأليكترونية، التي هي أشبه بالمشافهة.
وكما يغفل أهل اللغة عن هذا النمط من لغة التواصل يغفلون عن لغة البرامج الحوارية في الإذاعات، والقنوات التلفزيونية، وهي تتطلّب قدراتٍ تواصليّة مناسبة أكثر ممّا تطلبه من إتقانٍ للنظام اللغويِّ، وصحّةٍ في التركيب النحوي.
لا شكّ أنّ الحديث في هذه المقامات التواصلية، بهذه الوسائل ليس كحديث في مستوًى تداولي، سواء كان نصًّا ثريًّا ، أي: أدبيًّا ، أو كان نصًّا محدودًا في لغته ، ومعانيه، وأساليبه، وتراكيبه، ومفرداته. ومن المعلوم أن المستوى التداولي يشمل النوعين؛ إذ التواصلي ما لا يناسب غير المقام الذي ورد فيه. والتداولي ما يصلح لمقامه الذي أنشئ من أجله، وهو صالح لاجتياز الجغرافيا والتاريخ، وتناقله عبر الحدود ، بحيث يصح ويسوغ استعماله في سياقات غير المقام أو الموقف الذي دعا إلى إنشائه.
إن أهمّ شيءٍ في لغة التواصل حنكة التعامل مع الغير، وما من شكٍّ في أهمّيّة التواصل مع الغير، ومن أهمّ الوسائل لإنجاح هذا التواصل أن يكون لدى الشخص قدرة على الإقناع والتأثير في الآخرين ، وممّا يحسن توظيفه لهذه المهمّة اللغة ومهاراتها ، والقدرة على توظيفها ، كما ينبغي.
وكل هذا مغيَّب عن درس العربية، وهو ما نجد له إشارات في فكر الجاحظ، من مثل: حديثه عن [أدوات البيان الخمس]
((وجميع أصناف الدلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ، خمسة أشياء لا تنقص ولا تزيد: أولها اللفظ، ثم الإشارة، ثم العقد، ثم الخط، ثم الحال التي تسمى نصبة. والنصبة هي الحال الدالة، التي تقوم مقام تلك الأصناف، ولا تقصر عن تلك الدلالات، ولكل واحد من هذه الخمسة صورة بائنة من صورة صاحبتها، وحلية مخالفة لحلية أختها، وهي التي تكشف لك عن أعيان المعاني في الجملة، ثم عن حقائقها في التفسير، وعن أجناسها وأقدارها، وعن خاصها وعامها، وعن طبقاتها في السار والضار، وعما يكون منها لغوا بهرجا، وساقطا مطرحا. قال أبو عثمان: وكان في الحق أن يكون هذا الباب في أول هذا الكتاب، ولكنا أخرّناه لبعض التدبير.
وقالوا: البيان بصر والعي عمى، كما أن العلم بصر والجهل عمى. والبيان من نتاج العلم، والعي من نتاج الجهل)). [البيان والتبيين 1/ 82]
وقال سهل بن هارون: العقل رائد الروح، والعلم رائد العقل، والبيان ترجمان العلم.
وقال صاحب المنطق: حد الإنسان: الحي الناطق المبين.
وقالوا: حياة المروءة الصدق، وحياة الروح العفاف، وحياة الحلم العلم، وحياة العلم البيان.
وقال يونس بن حبيب: ليس لعيي مروءة، ولا لمنقوص البيان بهاء، ولو حك بيافوخه أعنان السماء.
وقالوا: شعر الرجل قطعة من كلامه، وظنه قطعة من علمه، واختياره قطعة من عقله.
وقال ابن التوأم: الروح عماد البدن، والعلم عماد الروح، والبيان عماد العلم.
قد قلنا في الدلالة باللفظ. فأما الإشارة فباليد، وبالرأس، وبالعين والحاجب والمنكب، إذا تباعد الشخصان، وبالثوب وبالسيف. وقد يتهدد رافع السيف والسوط، فيكون ذلك زاجرا، ومانعا رادعا، ويكون وعيدا وتحذيرا.
والإشارة واللفظ شريكان، ونعم العون هي له، ونعم الترجمان هي عنه. وما أكثر ما تنوب عن اللفظ، وما تغني عن الخط. وبعد فهل تعدو الإشارة أن تكون ذات صورة معروفة، وحلية موصوفة، على اختلافها في طبقاتها ودلالاتها. وفي الإشارة بالطرف والحاجب وغير ذلك من الجوارح، مرفق كبير ومعونة حاضرة، في أمور يسترها بعض الناس من بعض، ويخفونها من الجليس وغير الجليس. ولولا الإشارة لم يتفاهم الناس معنى خاص الخاص، ولجهلوا هذا الباب البتة. ولولا أن تفسير هذه الكلمة يدخل في باب صناعة الكلام لفسرتها لكم. وقد قال الشاعر في دلالات الإشارة:
أشارت بطرف العين خيفة أهلها إشــــــارة مذعور ولم تتكلم
فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا وأهلا وسهلا بالحبيب المتيم
[البيان والتبيين 1/ 83] وقال الآخر:
وللقلب على القلب ... دليل حـين يلقاه
وفي الناس من الناس ... مقاييس وأشباه
وفي العين غنى للمر ... ء أن تنطق أفواه
وقال الآخر في هذا المعنى:
ومعشر صيد ذوي تجلّه ... ترى عليهم للندى أدلّه
وقال الآخر:
ترى عينها عيني فتعرف وحيها ... وتعرف عيني ما به الوحي يرجع
وقال آخر:
وعين الفتى تبدي الذي في ضميره ... وتعرف بالنجوى الحديث المعمسا
وقال الآخر:
العين تبدي الذي في نفس صاحبها ... من المحبة أو بغض إذا كانا
والعين تنطق والأفواه صــــــامته ... حتى ترى من ضمير القلب تبيانا
هذا ومبلغ الإشارة أبعد من مبلغ الصوت. فهذا أيضا باب تتقدم فيه الإشارة الصوت.
والصوت هو آلة اللفظ، والجوهر الذي يقوم به التقطيع، وبه يوجد التأليف. ولن تكون حركات اللسان لفظا ولا كلاما موزونا ولا منثورا إلا بظهور الصوت، ولا تكون الحروف كلاما إلا بالتقطيع والتأليف. وحسن الإشارة باليد والرأس، من تمام حسن البيان باللسان، مع الذي يكون مع الإشارة من الدل والشكل «1» والتقتل والتثني «2» ، واستدعاء الشهوة، وغير ذلك من الأمور. [البيان والتبيين 1/ 84]
قد قلنا في الدلالة بالإشارة. فأما الخط، فمما ذكر الله عز وجل في كتابه من فضيلة الخط والإنعام بمنافع الكتاب، قوله لنبيه عليه السلام: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ. وأقسم به في كتابه المنزل، على نبيه المرسل، حيث قال: ن. وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ، ولذلك قالوا: القلم أحد اللسانين. كما قالوا: قلة العيال أحد اليسارين. وقالوا: القلم أبقى أثرا، واللسان أكثر هذرا.
وقال عبد الرحمن بن كيسان: استعمال القلم أجدر أن يحض الذهن على تصحيح الكتاب، من استعمال اللسان على تصحيح الكلام.
وقالوا: اللسان مقصور على القريب الحاضر، والقلم مطلق في الشاهد والغائب، وهو للغابر الحائن، مثله للقائم الراهن. والكتاب يقرأ بكل مكان، ويدرس في كل زمان، واللسان لا يعدو سامعه، ولا يتجاوزه إلى غيره.
وأما القول في العقد، وهو الحساب دون اللفظ والخط، فالدليل على فضيلته، وعظم قدر الانتفاع به قول الله عز وجل: فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وقال جل وتقدس: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ. وقال جل وعز: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ. وقال: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ.
والحساب يشتمل على معان كثيرة ومنافع جليلة، ولولا معرفة العباد بمعنى الحساب في الدنيا لما فهموا عن الله عز وجل معنى الحساب في الآخرة. وفي عدم اللفظ وفساد الخط والجهل بالعقد فساد جل النعم، وفقدان جمهور المنافع، واختلال كل ما جعله الله عز وجل لنا قواما، ومصلحة ونظاما. [البيان والتبيين 1/ 85]
وأما النصبة فهي الحال الناطقة بغير اللفظ، والمشيرة بغير اليد. وذلك ظاهر في خلق السموات والأرض، وفي كل صامت وناطق، وجامد ونام، ومقيم وظاعن، وزائد وناقص. فالدلالة التي في الموات الجامد، كالدلالة التي في الحيوان الناطق. فالصامت ناطق من جهة الدلالة، والعجماء معربة من جهة البرهان. ولذلك قال الأول:«سل الأرض فقل: من شق أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك؟ فإن لم تجبك حوارا، أجابتك اعتبارا» .
وقال بعض الخطباء: «أشهد أن السموات والأرض آيات وآلات وشواهد قائمات، كل يؤدي عنك الحجة ويشهد لك بالربوبية موسومة بآثار قدرتك، ومعالم تدبيرك، التي تجليت بها لخلقك، فأوصلت إلى القلوب من معرفتك ما أنسها من وحشة الفكر، ورجم الظنون. فهي على اعترافها لك، وافتقارها إليك شاهدة بأنك لا تحيط بك الصفات ولا تحدك الأوهام، وإن حظ الفكر فيك، الاعتراف لك» .
وقال خطيب من الخطباء، حين قام على سرير الاسكندر وهو ميت: «الاسكندر كان أمس أنطق منه اليوم، وهو اليوم أوعظ منه أمس» .
ومتى دل الشيء على معنى فقد أخبر عنه وإن كان صامتا، وأشار إليه وإن كان ساكتا.
وهذا القول شائع في جميع اللغات، ومتفق عليه مع إفراط الاختلافات.
وقال عنترة بن شداد العبسي جعل نعيب الغراب خبرا للزاجر:
حرق الجناح كأن لحيي رأسه جلمان بالأخبار هش مولع
الحرق: الأسود. شبه لحييه بالجلمين، لأن الغراب يخبر بالفرقة والغربة, ويقطع كما يقطع الجلمان.
وأنشدني أبو الرديني العكلي، في تنسم الذئب الريح واستنشائه واسترواحه:
يستخبر الريح إذا لم يسمع بمثل مقراع الصفا الموقع
[البيان والتبيين 1/ 86] المقراع: الفأس التي يكسر بها الصخر. والموقع. المحدد. يقال وقعت الحديدة إذا حددتها. وقال آخر، وهو الراعي:
إن السماء وإن الريح شاهدة والأرض تشهد والأيام والبلد
لقد جزيت بني بدر ببغيهم يوم الهباءة يوما ما له قود
وقال نصيب في هذا المعنى، يمدح سليمان بن عبد الملك:
أقول لركب صادرين لقيتهم ... قفا ذات أوشال ومولاك قارب «1»
قفوا خبرونا عن سليمان إنني ... لمعروفه من أهل ودان طالب «2»
فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ...ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب

وهذا كثير جدا)).


يتبع






رد مع اقتباس
   
إضافة رد

   
مواقع النشر (المفضلة)
   


   
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
   


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir