بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد وصحبه أجمعين
وبعد
ومن تلك المفاهيم الخاطئة قولهم : " لا ينبغي للرجل أن يعدد في الزوجات من غير سبب " ، أو بمعنى آخر " أن التعدد شُرع للضرورة والحاجة " ثم يفسرون تلك الضرورة والحاجة بمرض المرأة كالعقم ونحوه .
أقول : بطلان هذا القول ظاهر – بفضل الله وبحمده – لكل من لم يتأثر بالحضارات الغربية وما يبثه أعداء الملة الإسلامية من شبه حول التعدد ، ذلك أن الله – عز وجل – حينما شرع التعدد في الزوجات إلى أربع لم يعلقه بالضرورة والحاجة بل أباحه لعباده منَّة منه وفضلا ، فهو – سبحانه - أعلم بما يَصلُح لعباده ويُصلِحهم ، فقال – سبحانه - : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا } .
قال ابن زمنين المالكي – رحمه الله - : " كان الرجل في الجاهلية يتزوج العشر فما دون ذلك ، فأحل الله له أربعا ، فقال : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } يقول : إن خفت ألا تعدل في أربع فانكح ثلاثا ، فإن خفت ألا تعدل في ثلاث فانكح اثنتين ، فإن خفت ألا تعدل في اثنتين فانكح واحدة " التفسير (1/346) ، وبه قال الجصاص الحنفي " أحكام القرآن : 2/346 " ، وغيرهما من المفسرين .
فانظر أخي القارئ إلى بحث هذه المسألة عند المفسرين ، أو غيرهم من العلماء ، فلا تجد لشرط الضرورة أو الحاجة أثر في مصنفاتهم ، بل مدار القول بحلية التعدد عندهم هو القدرة على العدل بين الزوجات ، وأن لا يتعدى الجمع بين أربع زوجات .
وما زال المسلمون يعددون منذ عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – والصحابة والتابعين وتابع التابعين إلى يومنا هذا دون أن يشترطوا في جواز تعددهم ما اشترطه بعض المعاصرين ممن وقعوا تحت ضغط الهجوم الاستشراقي ، وهالهم انتقاد الأوروبيين لتعدد الزوجات ، فأرادوا تبرير موقف الإسلام من هذه القضية ، وغيرها من القضايا التي ينتقد فيها الغربُ الإسلام . بل إن بعضهم ذهب يؤيد تقييد التعدد ، وسن التشريعات لتحقيق ذلك .
فسبحان الله ! كم من شرائع الدين بُدل وغُير بسب ذلك ؟!
ولكن حسبنا أن نعلم بأن هذا كان ناشئا عن خور وذلة فكرية وعقدية ، وتزلف إلى من قال الله فيهم : { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير }.
قال ابن جرير الطبري – رحمه الله - : " يعني بقوله جل ثناؤه : { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } وليست اليهود ، يا محمد ، ولا النصارى براضية عنك أبدا ، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم ، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق ، فإن الذي تدعوهم إليه من ذلك لهو السبيل إلى الاجتماع فيه معك على الألفة والدين القيم ، ولا سبيل لك إلى إرضائهم باتباع ملتهم ... فالزم هدى الله الذي لجميع الخلق إلى الألفة عليه سبيل " .
ولتعلم أخي القارئ أن في مقدمة الفوائد التي يجنيها المجتمع من نظام تعدد الزوجات هي تلك الفوائد الأخلاقية والقيم النبيلة التي يجني ثمارها من جراء العلاقة المشروعة بين الرجال والنساء ، ... والذين منعوا التعدد أو قيدوه بقيود جعلته أقرب إلى الحظر منه إلى الإباحة جنوا على أنفسهم ومجتمعاتهم بفتح أبواب الرذيلة وذبح الفضيلة ، وما يترتب على ذلك من الدمار الذي يلحق بالأمة ، وما ينشأ من ذلك من أمراض وأوبئة أفقدت الإنسان كل معاني النبل والنخوة ، وأصبح الحياء والعفة شيئا عزيزا ، والغيرة عملة صعبة لا تكاد تجد لها سوقا في المجتمعات التي تدعي التحضر...
ولم يبعد من قال : " أن التعدد في هذا الزمن أصبح ضرورة من الضرورات فيه تسد منابع الرذيلة وتوءد الفتنة ليعيش المجتمع في أمن من الانحراف "
اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق لايهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عنا سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت .