أكد الشيخ الدكتور الشريف حاتم العوني عضو مجلس الشورى وعضو هيئة التدريس بقسم الحديث بكلية الدعوة واصول الدين بجامعة بجامعة ام القرى على ضرورة الالتزام بالطعام في زكاة الفطر .ولكن إلّا إذا ظهرت مفسدة من التزام إخراج الطعام , كأن يصبح المعتاد أن يبيع الفقير ذلك الطعام ليشتري به ما هو أحوج إليه . ففي هذه الحالة فقط ,
وعند عدم وجود الفقير المحتاج للطعام , يجوز إخراج القيمة, وطالب العوني بضرورة تحري الفقراء حقًا لاعطائهم الزكاة .
وقال الشيخ الدكتور الشريف حاتم العوني عن إخراج القيمة في زكاة الفطر : إنه يظهر من تنويع الشرع لأنواع الصدقات من مال (في زكاة المال) ولحم (في الضحية والهدي) وأقوات (في زكاة الفطر),ولأنواع الكفارات من عتق إلى إطعام إلى كسوة :
أن هذا التنويع مقصود للشرع , ولو أراد الشرع إخراج المال لما أمر بهذا التنويع , ولجعل المال مغنيا عنها جميعها .
كما أن القيمة لو كانت مجزئة في زكاة الفطر أصالة , فلماذا يعدد النبي صلى الله عليه وسلم أصنافها الأربعة والخمسة في كل مرة ؟
كان يكفيه أن يقول : ( صاعا من بر , أو قيمته) , لماذا هذا الحرص على ذكر الطعام فقط ؟! . والذي يظهر لي من حِكمة تنويع الشرع لأنواع الصدقات على ما سبق :
اولا: إغناء المحتاج بأنواع متعددة من العطايا
ثانيا: تعويد النفس على الجود بكل أنواع النعم , فلا تعتاد النفس الشح والبخل بشيء منها .
ويضيف الشريف قائلا: ولذلك كان قول من وسّع دلالة نص السنة في زكاة الفطر من الالتزام بأصناف معينة من الطعام (البر والشعير والتمر والأقط والزبيب) إلى تجويز إخراج (القوت) قولا أسعد حظا بهذا الفقه الذي يراعي هذا الملحظ المقاصدي ممن أجاز إخراج القيمة مطلقا ,وهو أيضا أسعد حظا بالنص الذي وصف زكاة الفطر بوصف دقيق وهو أنها : (طعمة للصائم) . وقال الشيخ الشريف : نقول لمن أطلق القول بإجازة إخراج القيمة : كما التزمنا جميعنا إخراج اللحم في الضحايا , ولم يجزئ عندنا عنها القيمة , مع كون المال أنفع للفقراء من اللحم في غالب الأحوال أيضا , فكذلك ينبغي أن نلتزم بالطعام في زكاة الفطر .
إلا في حالة ما إذا ظهرت مفسدة من التزام إخراج الطعام , كأن يصبح المعتاد هو أن يبيع الفقير ذلك الطعام ليشتري به ما هو أحوج إليه . ففي هذه الحالة فقط , وعند عدم وجود الفقير المحتاج للطعام , يجوز إخراج القيمة . فهو تجويز مقيد بهذه الحالة فقط, لا مطلقا . واضاف الدكتور العوني :على المسلم أن يتحرى الفقراء حقا لإعطائهم زكاة فطره , وأن يتحرى الأنفع والأحب لهم من الطعام, فالتوسّع في معنى الطعام أقرب إلى فقه النص ومقصده من الابتعاد إلى القيمة . فلو أضيف إلى الارز مثلا دجاج , أو من أنواع الأطعمة التي يُفطَر عليها صباح العيد من أجبان وحلويات يُتقوّت بها في زماننا ؛ لكان ذلك أقرب إلى النص وإلى تحقيق مقصده : الذي هو إدخال الفرح على الفقير بإشباعه وكفاية حاجته الحقيقية من الطعام . ولو فعلنا ذلك , لارتحنا (غالبا) من ظاهرة تخلص الفقراء من أكياس البر (الذي استغنوا عنه بخبز المخابز) أو الرز الجاف الذي نادرا ما يؤكل وحده , ولحققنا زكاة الفطر : طعمة الصائم . وأما اشتراط كون الطعام مدخرا , فمع كونه شرطا ليس بأولى من شرط كون الزكاة طعاما في ظهور دلالة النص عليه , وفي تحقيق مقصد الشرع من إشباع المسلم بزكاة الفطر = فهو شرط لم يراع أن كثيرا من المحتاجين (في بعض المجتمعات) لديهم ثلاجات تحفظ الأطعمة لتكون مدخرة فيها ,
كما أن كثيرا من الأطعمة من المعلبات هي مدخرة أيضا , كعلب الأجبان والحليب المجفف ونحوها , كما أن المقصود بذلك لا ترك الزكاة بالمدخر من قوت البلد , ولكن أن يكون نوعا إضافيا من أطعمة زكاة الفطر .
وقد قال ابن القيم في إعلام الموقعين وهو يتكلم عن زكاة الفطر: (فإن كان قوتهم من غير الحبوب: كاللبن واللحم والسمك أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائنا ما كان , هذا قول جمهور العلماء , وهو الصواب الذي لا يُقال بغيره ...) , إلى آخر كلامه المهم .
إن صح أن هذا قول الجمهور فلماذا غاب عن الفتوى المعاصرة لسنوات طويلة ؟! وإن لم يكن قول الجمهور ! فأين ذهب هذا المعنى عنهم (الذي كان في غاية الوضوح لدى ابن القيم) طوال فترة سابقة ماتت فيها الحكمة من زكاة الفطر ,
حتى قوي قول من أجاز إخراج القيمة مطلقا , أمام ضياع الحكمة في التزام صورة من الصور التي أرادها النص الشرعي .
منقول للفائده