أحاديث ضعيفة وموضوعة في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين وجامع الناس إلى يوم الدين، الحمد الذي حفظ الدين من تزييف الزائغين، والصلاة والسلام على النبي المجتبى والرسول المصطفى وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فقد قيض الله تعالى من سلف الأمة الإسلامية وخلفها من يذود عن سنة نبيه، ويجاهد ويصابر في صيانتها لينفي عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وكان علماء الأمة وقادتها في عهد الخلافة الراشدة هم من نهض لجمع القرآن الكريم، وكتابته في مصحفٍ إمامٍ يسر الله له مِن بعدهم مَن يخدمه كتابة ورسماً، وتفسيراً وإقراءً، ولا ننسى أيضاً ما بذله سلفنا الصالح من جهدٍ في خدمة السنة النبوية المشرفة حيث هبّ الجميع لحفظها والعمل بها، ثم روايتها وتبليغها، واستمر الأمر على هذا حتى أتت الفتن والخلافات؛ فكثر الوضع في الحديث النبوي الشريف، وكان لهذا الوضع أسباب نذكر منها:
- الخلافات السياسية التي وقعت بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، و ما وقع بين علي والزبير ومعاوية رضي الله عنهم.
- ومنها ما كان يفعله القصاص والواعظ، فقد كان لديهم حرص شديد على ترغيب الناس أو ترهيبهم، لذا وضعوا كثيراً من الأحاديث في ذلك.
- ومنها التكسّب وطلب المال، فيضع الوضّاع الحديث الغريب الذي لم يسمعه الناس ليُعطوه من أموالهم.
- ومنها الخلافات المذهبية، وذلك أن بعض أهل الأهواء يضعون الأحاديث على أهوائهم، فإذا استحسن شيئاً وضع له حديثاً.
- ومنها الزندقة والطعن في الإسلام، فقد أدرك الزنادقة وأعداء الإسلام أن قوة الإسلام لا تُقاوم بالسيف والسنان، فلجئوا إلى وضع الأحاديث التي تُشكك المسلمين في دينهم.
- ومنها التقرب من الحكام والسلاطين بما يوافق أهوائهم.
- ومنها قصد الشهرة، والتميّز على الأقران، وهذا ما يفعله الذين يُريدون أن يُذكروا بعلوّ الإسناد، أو كثرة الشيوخ ونحو ذلك، فيُركّبون بعض الأحاديث، ويضعونها لأجل ذلك.
- ومنها العصبية للجنس والقبيلة، أو اللغة والوطن، فقد وُضِعت الأحاديث في فضل العرب، وفضل بعض البلدان أو ذمّها ونحو ذلك.
- ومنها المصالح الشخصية، أو قصد الانتقام من شخص أو فئة مُعيّنة، وغير ذلك من الأسباب.
وقد هيأ الله تبارك وتعالى لحمل هذه السنة الشريفة رجالاً حفظوها في الصدور، فميزوا السقيم من الصحيح وقد قال الإمام السخاوي رحمه الله: "ولذا لما قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة، قال: تعيش لها الجهابذة، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(سورة الحجر:9) انتهى، ومن حفظه هتك من يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الدارقطني: يا أهل بغداد لا تظنوا أن أحداً يقدر أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حي"1.
وهذه جملة من الأحاديث التي وُضِعَت في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والتي انتشرت في أوساط الناس اليوم، نذكرها ونبين كلام أهل العلم عليها وعلى رواتها ليتنبه لها من يطَّلع عليها، وليحذر منها أشد الحذر؛ لأنها مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز حينها نسبتها إليه صلى الله عليه وسلم؛ إلا مع بيان وضعها وضعفها تحذيراً ونصحاً للجميع.
·عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من سرَّه أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي؛ فليوال علياً مِن بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، رُزقوا فهمًا وعلمًا، ويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي)) رواه أبو نعيم2؛ وابن عساكر3؛ وقال الألباني : موضوع4، قلت: في إسناده محمد بن جعفر بن عبد الرحيم لم أقف له على ترجمة، ولعله هو آفته، وله شاهد واه جداً رُوي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أخرجه الطبراني5؛ والآجري6؛ والحاكم7، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، وأبو نعيم8، وابن عساكر9من طرق عن يحيى بن يعلى الأسلمي، عن عمار بن رزيق، عن أبي إسحاق، عن زياد بن مطرف، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من يريد أن يحيى حياتي، ويموت موتي، ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي؛ فليتوَلَّ علي بن أبي طالب فإنه لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ضلالة)) ، وقال ابن منده: "لا يصح"10، وقال أبو نعيم: " غريب من حديث أبي إسحاق تفرد به يحيى عن عمار"11، وقال الهيثمي: "وفيه يحيى بن يعلى الأسلمي وهو ضعيف"12، وقال الألباني: "موضوع"13.
وأما تصحيح الحاكم له فلا يعتمد عليه لأنه معروف بالتساهل في التصحيح؛ وفي إسناده يحيى بن يعلى الأسلمي هو القطواني الكوفي ضعيف؛ قال ابن معين: "ليس بشيء"، وقال البخاري: "مضطرب الحديث"، وقال أبو حاتم الرازي: "ضعيف الحديث، ليس بالقوي"، وقال ابن عدي: "كوفي من شيعتهم"14،وقال أبو حاتم: ليس بالقوي ضعيف الحديث"15، وقال ابن حبان في الضعفاء: "يروي عن الثقات المقلوبات"16، وقال البزار: "يغلط في الأسانيد"17.
·حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:((يا علي إنها ستكون فتن، وستحاجُّ قومك))، قال: قلت: يا رسول الله فما تأمرني؟ قال: ((اتبع الكتاب))، أو قال: ((احكم بالكتاب)) رواه العقيلي18، ورواه الطبراني، وقال عقبه: "لم يروه عن سفيان إلا عطاء تفرد به عبيد بن جناد، ولا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد"19؛ من طريق عبيد بن جنَّاد الحلبي، حدثنا عطاء بن مسلم الخفَّاف، حدثنا سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه مرفوعاً به، وهذا إسناد ضعيف جداً، لا تقوم به حجة، ففيه عطاء بن مسلم الخفاف الحلبي تكلم عليه علماء الجرح والتعديل، فقد قال أبو حاتم الرازي رحمه الله: "كان شيخاً صالحاً، يشبه يوسف ابن أسباط، وكان دفن كتبه، وليس بقوي، فلا يثبت حديثه"20، واختلفت الرواية عن ابن معين فيه فقال معاوية بن صالح عن يحيى بن معين: "ليس به بأس، وأحاديثه منكرات"، وقال عثمان الدارمي عن بن معين: "ثقة"21، وقال أبو زرعة: "كان من أهل الكوفة، قدم حلب، روى عنه ابن المبارك، دفن كتبه، ثم روى من حفظه فَيهِمُ فيه، وكان رجلاً صالحاً"22، فقول أبي حاتم وأبي زرعة الرازي مقدم على توثيق ابن معين وذلك لاختلاف الرواية عنه، فرواية الدارمي تنقل توثيقه، ورواية معاوية بن صالح يقول فيها: "ليس به بأس، وأحاديثه منكرات"، وكذلك في سنده أبو إسحاق السبيعي وهو مدلس، ولم يسمع من الحارث الأعور إلا أربعة أحاديث23، ولم يصرح بالتحديث في هذه الرواية، وشيخه الحارث الأعور الهمداني من أصحاب علي شيعي متروك، ولا عبرة بمن وثقه أو قوَّى حاله من الشيعة، أو بعض المنحرفة من الصوفية كما فعل الغماري، قال الشعبي: حدثنا الحارث الأعور وكان كذاباً"24، ونقل الذهبي في ترجمته: "عن مغيرة قال: لم يكن الحارث يصدق عن على في الحديث، وقال ابن المدينى: كذاب، وقال جرير بن عبدالحميد: كان زيفاً، وقال ابن معين: ضعيف، وقال عباس عن ابن معين: ليس به بأس، وكذا قال النسائي، وعنه قال: ليس بالقوى، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن عدى: عامة ما يرويه غير محفوظ، وقال يحيى القطان عن سفيان قال: كنا نعرف فضل حديث عاصم على حديث الحارث"25.
·عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً: ((خُلقت أنا وعلي من نور، وكنا عن يمين العرش قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام، ثم خلق الله آدم فانقلبنا في أصلاب الرجال، ثم جعلنا في صلب عبد المطلب، ثم شق اسمينا من اسمه؛ فالله المحمود وأنا محمد، والله الأعلى وعلي علياً)) قال ابن الجوزي في الموضوعات: "هذا وضعه جعفر بن أحمد، وكان رافضياً يضع الحديث، قال ابن عدي: كنا نتيقن أنه يضع"26، ذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة وقال: "هو موضوع وضعه جعفر بن أحمد بن علي بن بيان، وكان رافضياً وضَّاعاً"27، وقال ابن عدي: "هو كذاب يضع الحديث"28، وقال ابن حجر في لسان الميزان: "وذكره بن يونس فقال: كان رافضياً، يضع الحديث"29، فتبين لك أن آفة هذا الحديث هو جعفر بن أحمد بن علي بن بيان الغافقي.
·عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((النظر إلى علي عبادة))30ذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة وقال: "رواه الطبراني عن ابن مسعود مرفوعاً، وفي إسناده يحيى بن عيسى الرملي وليس بشيء، ولكنه قد تابعه منصور بن أبي الأسود كما قد ذكره الشيرازي في الألقاب، وتابعه أيضاً عاصم بن عمر البجلي كما رواه أبو نعيم في فضائل الصحابة كلهم عن الأعمش، وقد أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق يحيى المذكور ومن طريق عاصم، ورواه الخطيب عن أبي هريرة مرفوعاً، وفي إسناده محمد بن أيوب بن الضريس يروي الموضوعات، ومحمد بن إسماعيل الرازي قال الذهبي في الميزان: هو المتهم بوضعه"31، وذكر له ابن الجوزي ثلاثة عشر طريقاً ثم قال: "هذا الحديث لا يصح من جميع طرقه".
·وعن عبد الله بن عكيم الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((إن الله عز وجل أوحى إلي في علي ثلاثة أشياء ليلة أسري بي: أنه سيد المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين)) رواه الطبراني وقال: "لم يروه عن هلال إلا عيسى، تفرد به مجاشع"32؛ وأبو نعيم33؛ وأخرجه بمعناه السيوطي34؛ وأعله الهيثمي في المجمع فقال: "رواه الطبراني في الصغير، وفيه عيسى بن سوادة النخعي وهو كذاب"35؛ وذكره ابن عدي في الكامل36؛ وقال الألباني في الضعيفة: "موضوع، أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" عن مجاشع بن عمرو حدثنا عيسى بن سوادة النخعي حدثنا هلال بن أبي حميد الوزان عن عبد الله بن عكيم الجهني مرفوعاً، وقال: تفرد به مجاشع، قلت: وهو كذاب، وكذا شيخه عيسى بن سوادة، وبه وحده أعله الهيثمي في "المجمع" فقصر، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا حديث موضوع عند من له أدنى معرفة بالحديث، ولا تحل نسبته إلى الرسول المعصوم، ولا نعلم أحداً هو سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين؛ غير نبينا صلى الله عليه وسلم، واللفظ مطلق، ما قال فيه: من بعدي، وأقرَّه الذهبي في "مختصر المنهاج"37أ. هـ.
·وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أنا دار الحكمة، وعلي بابها)) رواه الترمذي وقال: "هذا حديث غريب منكر"38؛ وقال في كتابه العلل: "سألت محمداً أي البخاري عنه فلم يعرفه، وأنكر هذا الحديث، قال أبو عيسى: لم يرو عن أحد من الثقات من أصحاب شريك، ولا نعرف هذا من حديث سلمة بن كهيل من غير حديث شريك"39، قال السخاوي: "قال الدراقطني في العلل عقب ثانيهما: إنه حديث مضطرب غير ثابت، وقال الترمذي: إنه منكر، وكذا قال شيخه البخاري، وقال: إنه ليس له وجه صحيح، وقال ابن معين فيما حكاه الخطيب في تاريخ بغداد: إنه كذب لا أصل له، وقال الحاكم عقب أولهما: إنه صحيح الإسناد، وأورده ابن الجوزي من هذين الوجهين في الموضوعات، ووافقه الذهبي وغيره على ذلك، وأشار إلى هذا ابن دقيق العيد بقوله: هذا الحديث لم يثبتوه، وقيل إنه باطل"40، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات41؛ وقال العجلوني: "وهذا حديث مضطرب غير ثابت كما قاله الدارقطني في العلل، وقال الترمذي: منكر، وقال البخاري: ليس له وجه صحيح، ونقل الخطيب البغدادي عن يحيى ابن معين أنه قال: إنه كذب لا أصل له، وقال الحاكم في الحديث الأول إنه، صحيح الإسناد لكن ذكره ابن الجوزي بوجهيه في الموضوعات، ووافقه الذهبي وغيره، وقال أبو زرعة: كم خلق افتضحوا فيه، وقال أبو حاتم ويحيى بن سعيد: لا أصل له، لكن قال في الدرر نقلاً عن أبي سعيد العلائي: الصواب أنه حسن باعتبار تعدد طرقه لا صحيح، ولا ضعيف، فضلاً أن يكون موضوعاً، وكذا قال الحافظ ابن حجر في فتوى له، قال: وبسطت كلامهما في التعقبات على الموضوعات"42أ. هـ، وذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة43؛ وقال الألباني: "موضوع"44.
·عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة)) رواه الحاكم في المستدرك وقال الذهبي قي التلخيص: "قبح الله رافضياً افتراه"45، وفي إسناده أحمد بن عيسى التنيسي الخشاب، قال ابن طاهر: "كذاب يضع الحديث"46، قال الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمته: "قال ابن عدي له مناكير، وقال الدار قطني: ليس بالقوي، وقال ابن طاهر: كذاب يضع الحديث، وذكره ابن حبان في الضعفاء"47، وقال الألباني: "كذب"48.
·وعن موسى بن جعفر عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خلقت أنا وهارون بن عمران ويحيى بن زكريا وعلي بن أبى طالب من طينة واحدة)) ذكره ابن الجوزي رحمه الله في الموضوعات49، ثم قال: "هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتهم به المروزي قال يحيى بن معين: هو كذاب، وقال الدارقطني: متروك، وقال ابن حبان: كان مغفلاً يلقن فيتلقن، فاستحق الترك، وقد روي جعفر بن أحمد بن علي بن بيان عن محمد بن عمر الطائي عن أبيه سفيان عن داود بن أبى هند عن الوليد بن عبد الرحمن عن نمير الحضري عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خلقت أنا وعلي من نور، وكنَّا عن يمين العرش قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام، ثم خلق الله آدم فانقلبنا في أصلاب الرجال، ثم جعلنا في صلب عبد المطلب، ثم شق اسمانا من اسمه فالله محمود، وأنا محمد، والله الأعلى، وعلي علياً)) هذا وضعه جعفر بن أحمد وكان رافضياً يضع الحديث، قال ابن عدى: "كنا نتيقن أنه يضع"50، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه51، وابن عساكر52، قال الذهبي في ترجمة محمد بن خلف المروزى: "كذَّبه يحيى بن معين"، وذكره، ثم قال: "هذا موضوع"53.