اسمه ونسبه: هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النَّضر بن كنانة، أبو محمد القرشي التيمي.
يجتمع نسبه مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في (مرّة بن كعب)
إسلامه وأبرز مواقفه:
أسلم قديماً على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فكان نوفل بن خويلد ابن العدوية يشدُّهما في حبل واحد، ولا تستطيع بنو تيم أن تَمْنَعَهُما منه، فلذلك كان يقال لطلحة وأبي بكر القرينان.
جهاده في سبيل الله:
هاجر وآخى صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين أبي أيوب الأنصاري(1)، وشَهِدَ المشاهد كلّها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا بدراً، فإنه كان بالشام لتجارة، وقيل في رسالة، ولهذا ضرب له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسهمه وأجره من بدر.
وكانت له يوم أحد اليد البيضاء حيث وَقََى بيده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى شُلت، واستمرت كذلك إلى أن مات. وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ - أي يوم أحد - "أوجب طلحة" وذلك أنّه كان على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دِرْعانِ فَأَرادَ أن ينهض وهما عليه ليصعد صخرة هنالك فما استطاع، فطأطأ له طلحة فصعد على ظهره حتى استوى عليها، وقال "أوجب طلحة"(2). وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستَّة أصحاب الشورى.
وقد صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأحْسَنَ صُحْبته حتى تُوفي وهو عنه راضٍ، وكذلك أبو بكر وعمر، فلما كانت قضية عثمان اعتزل عنه فنسبه بعض الناس إلى التحامل فيه.
وفــاته:
لما حضر يوم الجَمَل واجتمع به علي رضي الله عنه فوعَظَه تَأَخَّر فوقف في بعض الصفوف، فجاءه سهم فوقع في ركبته وقيل في رقبته، والأول أشهر، وانتظم السّهم مع ساقه خاصرة الفرس فجمح به حتى كاد يلقيه، وجعل يقول إليَّ عباد الله، فأدركه مولى له فركب وراءه وأدخله البصرة فمات بدار فيها، ويقال إنه مات بالمعركة،وإن عليا لما دار بين القتلى رآه فجعل يمسح عن وجهه التراب وقال رحمة الله عليك أبا محمد، يعزّ عليَّ أن أراك مجدولا تحت نجوم السماء، ثم قال إلى الله أشكو عجري وبجري، والله لوددت أَنّي كنت ميتاً قبل هذا اليوم بعشرين سنة.
ويقال إن الذي رماه بهذا السَّهم مروان بن الحكم، وقال لأبان بن عثمان قد كفيتك رجالاً من قَتَلَةِ عثمان، وقد قيل إن الذي رماه غيره، يقول ابن كثير رحمه الله وهذا عندي أقرب، وإن كان الأول مشهوراً والله أعلم.
وكانت وفاته يوم الخميس لعشرٍ خلون من جمادى الآخرة سنة ستٍّ وثلاثين، ودفن طلحة رضي الله عنه إلى جانب الكلأ وكان عمره ستين سنة، وقيل بضعاً وستين سنة، وكان آدم، وقيل أبيض حسن الوجه كثير الشعر إلى القصر أقرب(3).
ونذكر في سيرته العطره موقفا يدل على ثباته وقوة ايمانه لنستخلص منه الفوائد التي تعيننا في حياتنا لنقتدي بصاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأحد السابقين الأولين والعشرة المبشرين.
ثباته على الإسلام أمام تهديد أُمّه:
أخرج البخاري في التاريخ عن مسعود بن خراش رضي الله عنه قال "بينا نحن نطوف بين الصَّفا والمروة إذ أناس كثيرون يتبعون فتى شابا موثقا(4) بيده في عنقه. قلت ما شأنه؟ قالوا هذا طلحة بن عبيد الله صبأ(5)، وامرأة وراءه تدمدم (تغضب) وتسبه. قلت من هذه؟ قالوا الصعبة بنت الحضرمي أمه(6).
المفاهيم التربوية المستفادة من الموقف السابق:
المفهوم الأول: فضل سيدنا طلحة وسبقه إلى الإسلام وهو شاب.
المفهوم الثاني: تحمله للأذى في سبيل الله من أقرب النَّاس إليه وهي أُمُّه، مِمَّا يدُلُّ على أن ولاء المسلم ينبغي أن يكون لِله قبل كلّ شيء كما فَعَلَ طلحة رضي الله عنه، وصدق الله إذ يقول { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(7).
المفهوم الثالث:عدم اهتمام المسلم بما يتهمه به أعداؤه بسبب دينه:
ويؤخذ من الموقف - كذلك - أَلاَّ يأبه المسلم لما يُتَّهَمُ به بسبب دينه على لسان أعدائه، كقولهم هنا عن سيدنا طلحة (صبأ)، ونظيره ما يُطْلِقُه أعداؤنا علينا من ألفاظ وتُهمٍ.
المفهوم الرابع: بر الوالدين يكون في حدود ما أمر به الشرع.
ويدل الموقف على أن برَّ الوالدين لا يعني التَّنازُل عن الثَّوابِتِ إرضاءً لهما، فإنَّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولكن تبقى حقوقهما محفوظة فيما عدا ذلك، كما قال ربُّنا { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(8).
المفهوم الخامس:الشَّدائِدُ والْمِحَن التي واجهت الصحابة في سبيل دينهم:
وفي الموقف إشارة إلى ما تحمله أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأذى في سبيل دينهم، وهو ما يدلُّ على فضلهم على الأجيال التي تلتهم، فَبِصَبْرِهِم وجهادهم عمَّ نور الله على العالمين، وإليهم يشير الشّاعر بقوله:
(1) في (الاستيعاب) كعب بن مالك، وفي (الطبقات) لابن سعد آخى بينه وبين أبي بن كعب وفي رواية عنده سعيد بن زيد، وفي الإصابة آخى بينه وبين الزبير قبل الهجرة، وفي المدينة آخى بينه وبين أبي أيوب.
(2) أخرجه الترمذي في (المناقب) عن الزبير. باب مناقب أبي محمد طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه. حديث رقم (3747) وقال عنه أبو عيسى حديث حسن صحيح غريب.
(3) البداية والنهاية لابن كثير (7/175) والإصابة في تمييز الصحابة ص641 رقم (4428) وابن سعد في طبقاته القسم الأول، رقم (4285) والاستيعاب (1287) وأسد الغابة (2627).
(4) موثقا أي مأسوراً مشدوداً في الوثاق. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ص945 مادة (وثق).
(5) صبأ يقال صبأ فلان إذا خرج من دين إلى دين غيره، من قولهم صبأ ناب البعير إذا طلع، وصبأت النجوم إذا خرجت من مطالعها، وكان العرب يسمون النبي (الصابئ؛ لأنه خرج من دين قريش إلى دين الإسلام. النهاية ص 498 مادة (صبأ).
(6) أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (7/421) وذكره الكندهلوي في حياة الصحابة ص 151 (تحت عنوان تحمل طلحة بن عبيد الله (الشدائد).
رضى الله عنه وارضاه وجزاك الله خير الجزاء يابومحمد ونسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد اللهم امين ودائما متألق فى مواضيعك المفيده التى لاتكاد تخلوا من المعلومات الثمينه ذات الطابع الأيمانى شكر من الأعماق وبارك الله فيك يابومحمد .