السَّيِّدِ و الشَّرِيفِ
وكتبه
الشريف أبو هاشم إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير
تعريف السَّيِّد:
السَّيِّد: مشتق من «سَادَ»، «يسُودُ»، «سِيَادةً»، والاسم: «السُّؤْدَدُ» وهو المجد والشرف، يقال له: سَاد قومه، يَسُودهم سُؤددًا؛ وجمع السَّيِّد السادة، وهم الكُبراء والرؤساء والأشراف من كُل جنس، وقيل: إنما سُمِّي السَّيِّد سيدًا لأن الناس يلتجئون إلى سواده([4]).
أصل لقب السَّيِّد في القرآن والسُّنَّة:
ورد لقب السَّيِّدِ في القرآن في عدة مواطن، منها قوله تعالى في يحيى عليه السلام:﴿وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾([5])، وقوله تعالى: ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾([6]).
أمَّا السَّنَّة فقد ورد هذا اللقب على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في قوله: «أنَا سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ يومَ القِيَامَةِ، ولا فَخْرَ»([7]).
وأطلق النبي صلى الله عليه وسلم هذا اللقب على آله، فقال عن سبطه الحسن بن علي بن أبي طالب: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ»([8])، وقال صلى الله عليه وسلم عن سبطيه الحسن والحسين–رضي الله عنهما-: «الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ»([9]).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن كان عنده من قوم سعد بن معاذ الأنصاري -سيد الأوس- حين وصوله إليهم: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ»([10]).
وعظَّم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة أبا بكر الصديق رضي الله عنه، فقال: «أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا»([11]).
قلت: ولقد شاع بين الأمة وعلمائها منذ القرون الأولى إطلاق لقب «السَّيِّد» و «الشَّرِيف» على الهاشميين: آل علي بن أبي طالب، وآل جعفر بن أبي طالب، وآل عقيل بن أبي طالب، وآل العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنهم؛ والقرشيين، والقبائل العربية؛ وقد أفردت خبر هذا الشيوع في فصلين، وهما: فصل «شيوع إطلاق لقب السَّيِّد على الهاشميين»، وفصل «شيوع إطلاق لقب الشَّرِيف على الهاشميين».
أصل لقب السَّيِّد في العصر الجاهلي:
لقب «السَّيِّد» في العصر الجاهلي يطلق على من كان معظمًا بين قومه من الهاشميين، والقرشيين، والأنصار وغيرهم، قال كعب بن مالك لأبي جابر عبدالله بن عمرو بن حرام الأنصاري يرغِّبه في الإسلام: «يا أبا جابر إنك سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبًا للنار غدًا، ثم دعوناه إلى الإسلام فأسلم وشهد معنا العقبة، وكان نقيبًا»([12]).
أصل لقب السَّيِّد في العصر الإسلامي:
وظل إطلاق لقب «السَّيِّد» شائعًا على الهاشميين وغيرهم من القبائل العربية من العصر الجاهلي إلى العصر الإسلامي، ودليل ذلك قول النبي عن سبطه الحسن ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه:«إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ»([13])؛ وآثار أخرى ذكرناها تحت «تعريف السَّيِّد».
ومن أوائل من لقب بـ«السَّيِّد» من آل النبي صلى الله عليه وسلم -فيما وقفت عليه في كتب التاريخ-بعد السبطين رضي الله عنهما- هو معاذ بن داود بن محمد بن عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-المؤرخة وفاته سنة (295هـ) في الشاهد الحجري([14]) الذي على قبره، ونُقِش على الحجر عبارة: «السَّيِّد الشَّرِيف معاذ بن داود»([15]).
قلت: لا شك أن إطلاق لقب «السَّيِّد» على الهاشميين وغيرهم ظلَّ شائعًا في القرن الثاني الهجري قبل معاذ بن داود الحسني(ت295هـ)، إلا أنني لم أقف فيما بين يدي من مصادر على أثر في القرن الثاني الهجري يدل عليه بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم عن سبطه الحسن رضي الله عنه:«إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ»([16])، وقوله صلى الله عليه وسلم للأنصار حين أقبل سعد بن معاذ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ»([17])؛ وقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا»([18]).
تعريف الشَّرِيف:
الشَّرِيف: بفتح الشين وكسر الراء([19])، على وزن فعيل من الشرف، والشرف: هو العلو والمجد والرفعة([20])؛ فالشريف: هو العالي القدر في جاهٍ، أَو علمٍ، أَو نسبٍ([21])، السَّيِّدُ في قومه العليُّ في رهطه([22])، يقال: رجلٌ شريفٌ أي ماجدٌ([23])، وجمع الشَّرِيفِ: الأشراف([24]).
قال العلامة ابن فارس(ت395هـ): «الشين والراء والفاء أصل يدل على علو وارتفاع، فالشرف: العُلوُّ، والشَّرِيف: الرجل العالي؛ ورجل شريف من قوم أشراف»([25]).
وقال العلامة الراغب الأصفهاني(ت502هـ): «الشرف: أخص بمآثر الآباء والعشيرة، ولذلك قيل للعلوية: أشراف»([26]).
أصل لقب الشَّرِيفِ في السُّنَّة:
ورد هذا اللفظ على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم عندما تشفع أسامة بن زيد رضي الله عنه في حد من حدود الله، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ»([27]).
التطابق اللغوي بين لقبي السَّيِّد و الشَّرِيف:
إنَّ المتأمل للمعاني اللغوية للقبين «السَّيِّدِ» و «الشَّرِيفِ» يلاحظ أن هناك اتفاقًا في بعض المعاني اللغوية؛ فالقاسم المشترك بينهما هو: السؤدد، والمجد، وعلو القدر.
أصل لقب الشَّرِيفِ في العصر الجاهلي:
هو لقب يُطلق على من كان معظمًا بين قومه من الهاشميين، والقرشيين، والأنصار وغيرهم في العصر الجاهلي، قال كعب بن مالك لأبي جابر عبدالله بن عمرو بن حرام الأنصاري يرغبه في الإسلام: «يا أبا جابر إنك سيد من سادتنا وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبًا للنار غدًا، ثم دعوناه إلى الإسلام فأسلم وشهد معنا العقبة، وكان نقيبًا»([28]).
وقال العلامة ابن هشام(ت218هـ): «كان عمرو بن الجموح سيدًا من سادات بني سلمة وشريفًا من أشرافهم»([29]).
أصل لقب الشَّرِيفِ في العصر الإسلامي:
وظَلَّ إطلاق لقب «الشَّرِيف» شائعًا على أعيان العرب إلى العصر الإسلامي، ومن الشواهد على ذلك تَلْقِيبُ الحافظ يحيى بن معين(ت233هـ) لعالم من قبيلة فزارة([30]) الغطفانية بـ «الشَّرِيف»، وهذا نصه: «حدثنا الشَّرِيف بن الشَّرِيف مروان بن معاوية بن الحارث الفزاري»([31]).
ومن أوائل من لقب من الهاشميين بـ«الشَّرِيف فلان»، -فيما وقفت عليه في كتب التاريخ- هو معاذ بن داود بن محمد بن عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- المؤرخة وفاته سنة (295هـ) في الشاهد الحجري الذي وضع على قبره، ونُقِش على الحجر عبارة: «السَّيِّد الشَّرِيف معاذ بن داود»([32]).
وممن لقب من المتقدمين بـ «الشَّرِيف»: إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى بن الحسن السبط ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كان يقال له «الشَّرِيف الخلاص»، وقد توفي إسماعيل في أواخر القرن الثالث الهجري تقريبًا([33]).
قلت: لا شك أن إطلاق لقب «الشَّرِيف»: على الهاشميين وغيرهم ظَلَّ شائعًا في القرن الثاني الهجري قبل معاذ بن داود الحسني(ت295هـ)، إلا أنني لم أقف فيما بين يدي من مصادر على أثر في القرن الثاني الهجري يدل عليه كما سبق بيان ذلك.
أما القرن الأول فقد ذكرنا تحت فصل «أصل لقب الشريف في العهد الجاهلي» ما يدل على شيوع إطلاق لقب «الشَّرِيف» في القرن الأول على أعيان العرب.