في سبيل الثقافة النفطية : العلاقة بين الدولار والنفط
العلاقة بين أسعار النفط والدولار شائكة للغاية، ففي الوقت الذي يؤدي فيه انخفاض الدولار إلى رفع أسعار النفط، يساهم ارتفاع أسعار النفط
في خفض الدولار بسبب ارتفاع فاتورة واردات النفط الأمريكية وزيادة العجز في ميزان المدفوعات.
فك العلاقة بين الدولار وأسعار النفط يتطلب حلين جذريين بعيدين عن الواقع أحدهما تسعير النفط بغير الدولار.
إن لم يكن هذا ممكنا فإن انخفاض اعتماد الولايات المتحدة على النفط سيخفف من هذه العلاقة بشكل ملحوظ.
المشكلة
يباع النفط ويشترى بالدولار. عندما تقوم دول نفطية بتصدير النفط، تتسلم عائداتها بالدولار.
لكنها عندما تستورد سلعاً وخدمات،تستوردها من دول مختلفة، بما في ذلك الولايات المتحدة، الأمر الذي يضطرها في كثير من الأحيان
إلى تحويل جزء من الدولارات التي حصلت عليها من بيع النفط إلى عملات أخرى.
مع انخفاض الدولار ترتفع قيمة العملات الأخرى.
هذا يعني أن الدول النفطية تحتاج إلى دولارات أكثر لشراء الكمية نفسها من السلع والخدمات من أوروبا وآسيا.
هذه هي حالة "انخفاض القوة الشرائية لصادرات النفط".
مثال
لو افترضنا أن الدولار يساوي اليورو، وأن سعر النفط 80 دولارا للبرميل، فإن سعر النفط مقدراً باليورو يكون 80 أيضاَ.
ولو افترضنا سعر ساعة سويسرية هو 800 يورو، فإننا نحتاج في هذه الحالة إلى تصدير عشرة براميل من النفط لشراء
هذه الساعة (80 دولار أو يورو * عشرة براميل = 800).
فإذا انخفض سعر الدولار بالنسبة لليورو بحيث أصبح كل يورو يساوي دولارا ونصف وبقيت أسعار النفط على حالها عند 80 دولارا
للبرميل فإننا نحتاج إلى 1200 دولار لشراء هذه الساعة، أو 15 برميلا من النفط (15 برميل × 80 دولارا = 1200 دولار = 800 يورو).
في هذه الحالة انخفضت القوة الشرائية لصادرات النفط بسبب انخفاض الدولار لأننا نحتاج إلى تصدير 15 برميلا لشراء الساعة
نفسها التي كنا نشتريها سابقاً بعشرة براميل.
المشكلة أسوأ مما نتصور
إذا كانت الدول النفطية تتحكم في أسعار النفط فإن كل ما عليها هو رفع سعر البرميل ليعوّض عن خسائر انخفاض القوة الشرائية.
حسب المثال السابق يجب أن يرتفع سعر البرميل إلى 120دولارا للبرميل حتى يبقى سعر الساعة السويسرية مقدراً بعدد براميل النفط
اللازم بيعها لشراء هذه الساعة نفسه (120 دولار × 10 براميل = 1200 دولار أو 800 يورو).
لكن الدول النفطية لا تستطيع التحكم في الأسعار، ولا تستطيع وقف الواردات من الدول الأوروبية واليابان فقط بسبب ارتفاع عملات هذه الدول،
لذلك فإنها ستعاني التضخم بسبب عدم قدرتها على تحويل جزء من الواردات من بلد لآخر، خاصة قطع الغيار، كما أنها ستعاني رداءة السلع
المستوردة بسبب تحولها عن منتجات أوروبية و يابانية إلى منتجات أقل جودة كبعض المنتجات الصينية والهندية والتايلاندية.
هذا التوجه يفسر ارتفاع التضخم مع رداءة السلع المستهلكة في وقت يرتفع فيه الدخل الاسمي.
إذن المشكلة لاتتعلق بانخفاض القوة الشرائية فقط وإنما تتعلق بنمط الحياة ككل.
الخلاصة
هناك علاقة عكسية بين قيمة الدولار وأسعار النفط ولا يمكن فصل هذه العلاقة لأن الحلول المتمثلة في تسعير النفط بغير الدولار أو
تخفيض اعتماد الولايات المتحدة على النفط غير ممكنة حالياً.
على المدى القصير، يساهم انخفاض الدولار في تشجيع المضاربين على دخول أسواق النفط، والذي يسهم بدوره في زيادة أسعار
النفط وزيادة ذبذبتها.
على المدى الطويل يسهم انخفاض الدولار في تخفيض نمو الإنتاج بينما يسهم في زيادة النمو في الطلب على النفط، الأمر الذي ينتج
عنه ارتفاع أسعار النفط.
هذا الارتفاع لا يعني بالضرورة أن يكون نافعاً للدول المنتجة لأن العبرة بما يمكن أن تشتريه عوائد النفط، وليس بسعر البرميل.