[justify]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
موضوع للنقاش امل المشاركة
الموضوع : معركة الجهراء ما قبلها وما بعدها للكاتب بدر خالد البدر
الجهراء قديماً وحديثاً
والحديث عن الجهراء يجر إلى الحديث عن كاظمة حيث لا يمكن فصل الإسمين أو الموقعين عن بعضهما البعض ومن الثابت والمؤكد أنهما اسمان لمكان واحد كما تدل كل المعطيات التاريخية والجغرافـية التي تتحدث عن المنطقة ولا أريد هنا أن أعيد وأكرر ما ذكره اثنان من أبناء الكويت فـي مؤلفـين لهما أولهما السيد أحمد البشر الرومي الذي نشر مقالاته فـي كتيب عام 1966 وتطرق فـيه إلى موضوع كاظمة والجهراء بإسهاب والثاني هو السيد يعقوب يوسف الغنيم وكيل وزارة التربية حالياً بكتابه المسمى "كاظمة فـي الأدب والتاريخ" والذي صدر عام 1958 وحيث أني أفترض أن الكثيرين من القراء لم تسمح لهم الظروف بالإطلاع على هذين الكتابين، فأود أن أشير بإيجاز لبعض ما جاء فـيهما وفـي غيرهما من المراجع التي اطلعت عليها إتماماً للفائدة.
لقد جاء فـي معجم البلدان لياقوت الحموي ذكر كاظمة فـي عدة مناسبات وأنها على الطريق بين البحرين والبصرة كما ذكرها الهمداني فـي كتابه "صفة جزيرة العرب" وفـيما ذكره أن سفوان (سفوان أو صفوان مركز نقطة الحدود العراقية المقابلة لحدود الكويت فـي منطقة العبدلي) وكاظمة هما حدود جزيرة العرب من الشرق. كما ذكر كاظمة بعض شعراء العرب وسموها كاظمة البحور لقربها من البحر ولتميزها عن موقع آخر بهذا الاسم بالقرب من المدينة المنورة. وكانت قبيلة بني تميم المشهورة تسكن فـي المنطقة وقد تغنى شاعرهم المشهور الفرزدق وغيره من الشعراء بكاظمة فـي مناسبات عديدة. ومعركة "ذات السلاسل" المشهورة بقيادة خالد بن الوليد وجيوش الفرس بقيادة هرمز سنة 12 للهجرة والتي كما هو معروف انتهت بانتصار المسلمين وفتح العراق وبناء مدينة البصرة فـيما بعد وذلك فـي عام 15هـ فـي عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
إن أي موقع إستراتيجي بهذه الأهمية لا يمكن أن يشتمل على مكان محدود لكاظمة كما نعرفها اليوم. حيث من المؤكد أن تكون المنطقة بأسرها بما فـيها من آبار المياه فـي الجهراء التي لها أهميتها فـي سوق الجيوش وطرق القوافل وجميع التحركات الصحراوية على كافة المستويات هي كاظمة كما كانت تعرف فـي تلك الأيام.
ولنعود إلى إسم الجهراء ثانية حيث ذكرها الرحالة الدنماركي والألماني الأصل كارستن نيبور عندما زار الخليج ورسم خارطة له فـي عام 1765م. فقد أشار إلى المكان بـ "خرائب الجهراء". أما بعض الخرائط الأجنبية الأخرى القديمة فقد ذكرت كاظمة أو خليج كاظمة ولم يأت ذكر الجهراء. أما كتاب "لمع الشهاب فـي سيرة محمد بن عبد الوهاب" والذي كتبه حسن بن جمال بن أحمد الريكي عام 1233هـ والذي حققه الدكتور أحمد أبو حاكمة وطبع عام 1967م فقد جاء فـي الصفحة 154-155 ما يلي "وأعلم أيضاً أن العدان وهجر وقطر وكلها من أرض بني خالد وقد عرفت طولها بالحد المذكور من الكويت إلى خيران بني ياس فنخبرك أن من وراء الكويت إلى جانب الغرب عنها بيوم الجهرة وهي على ساحل البحر بفرسخين إلى جانب الغرب مائلاً إلى القبلة وأرض الجهرة عالية جداً بحيث كل من كان فـيها يرى السفن التي تتردد على البحر الذي يحاذي الكويت والذي فـي فـيلكة. وقد كانت الجهراء فـي عصر الجاهلية قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم بسنين تبلغ مائة، فـي غاية العمران وهذه آثارها تدل على عظمتها اليوم. فإن فـيها خرابات كثيرة من البنيان، وربما وجدوا ذخاير من الدراهم والدنانير فـي بعض المواضع، وهي أرض طولها فرسخان شمالاً وجنوباً وعرضها فرسخ غرباً وشرقاً. بنتها التمام غالباً وأرضها من قبيل حصص البحر وفـيها مياه عذبة وبئرها قدر باع واحد، وحولها من جميع الأطراف أرض سبخة على فرسخين من جانب الشمال حتى تصل بسنام وإلى الشرق حتى تصل البحر كذلك. وإلى جانب الغرب إلى جهة القبلة قليلاً أرض السبخ، قدر فرسخ وإلى الجنوب نحو الكويت تبلغ نصف فرسخ" انتهى.
ومما جاء ذكره أعلاه فإنه أصبح من الواضح أن كاظمة والجهراء اسمان أطلقا فـي فترات من الزمن على موقع واحد وهذا شئ طبيعي يحدث ويتكرر فـي كل زمان ومكان. وقد حدث هذا للكويت فهناك تقارير ومخطوطات وخرائط تشير إلى "القرين" بدلاً من الكويت (بعض مراسلات وتقارير شركة الهند الشرقية تشير إلى شيخ القرين عندما يأتي ذكر الشيخ عبدالله بن صباح الحاكم الثاني للكويت 1762–1814) ثم تكرر الاسمان على بعض الخرائط ومنها خارطة (كارستن نيبور) المشار إليها إلى أن غلب اسم الكويت وطغى على الاسم الآخر واستدل على ذلك بمخطوط اطلعت عليه عند المرحوم الشيخ يوسف بن عيسى القناعي والمخطوط مضى عليه أكثر من مئتي سنة ويذكر كاتبه اسمه كالآتي "تم الكتاب بحمد الله وحسن توفـيقه على يد الفقير عثمان بن علي بن محمد بن سري الجناعي نسباً والشافعي مذهباً والقرين مولداً (بيت بن سري هو البيت الذي تنتمي إليه عائلة البدر وعائلة العيسى من القناعات).
ويتضح مما تقدم بأن الكويت راسخة القدم فـي التاريخ البعيد وليس كما عرفها بعضهم مع تدفق النفط. فقد ارتوت جيوش المسلمين من آبار الجهراء عند زحفهم على العراق وبلاد فارس كما رست قبل ذلك أساطيل الإسكندر فـي جزيرة فـيلكا عند عودتها من حملة فتح الهند كما تشهد بذلك آثار الجزيرة التي اكتشفت عام 1958.
أما تاريخ الكويت الحديث فقد بدأ فـي النصف الأول من القرن الثامن عشر عندما انحسر نفوذ بني خالد عن المنطقة واستطاع التجمع القبلي المسمى بالعتوب أن يتحرروا من نفوذ بني خالد وأن يؤمروا عليهم بعد ذلك صباح بن جابر أو صباح الأول كما ير فـيما بعد، وذلك حوالي عام 1756 للميلاد. وقد أكدت جميع المصادر التاريخية العربية منها أو الأجنبية هذه الحقيقة.
لقد برزت أهمية الكويت فـي ذلك الوقت كمركز للتجارة ما ورد منها من البحر أو البر نظراً لمركزها الممتاز على رأس الخليج ومينائها العميق الصالح للملاحة واهتمام سكانها ببناء السفن سواء ما كان منها لنقل البضائع أو ما خصص للغوص على اللؤلؤ فـي السواحل الكويتية أو مغاصات الخليج العربي الأخرى.
كذلك فان النهضة الصناعية التي شملت أوربا مع البحث عن أسواق جديدة للتبادل التجاري التي تحول إلي البحث عن مناطق نفوذ للدول العظمى. كل هذه الأسباب مجتمعة أظهرت أهمية الكويت كمركز تجاري واستراتيجي وكانت الكويت لقربها من ميناء البصرة الهام تقوم بنفس الدور ولو على نطاق أقل لا سيما عند حدوث الأزمات فـي جنوب العراق وأحد الأمثلة على ذلك هو عندما احتل الفرس البصرة لمدة ثلاث سنوات من 1766م الى 1779م حيث انتقل قسم كبير من تجار البصرة الى الكويت بالنظر لما كانت تنعم به من طمأنينة وأمان فـي ذلك الوقت كما ازدادت أهمية الكويت الاستراتيجية والتجارية فـي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين عندما بلغ تنافس الدول على مناطق النفوذ ذروته وكان ذلك أيام تولي الشيخ مبارك دفة الحكم فـي الكويت كما سنرى فـي الفصول القادمة.
مبارك وابن السعود
عندما تولى الشيخ مبارك السلطة فـي عام 1896م كان الأمير عبدالرحمن آل السعود وابنه عبدالعزيز وبعض أفراد العائلة مقيمين فـي الكويت وذلك نتيجة للخصام الذي حدث بين عائلة آل السعود أثناء حكمهم فـي الرياض حيث استغل أمير حائل محمد بن الرشيد تلك الخصومات واحتل الرياض ونصب عليها أميرا من عنده فاضطر الأمير عبدالرحمن أن يرحل ويأتي لاجئاً إلى منطقة الخليج ثم الى الكويت وذلك عام 1359هـ 1891م وكان الأمير عبدالعزيز فـي الحادية عشر من عمره فـي ذلك الوقت.
ولنترك الأمير الشاب قابعاً مع عائلته فـي أحد بيوت الكويت المتواضعة ونتجه نحو الشيخ مبارك الذي بدأ فـي صراع مع الأحداث منذ توليه السلطة ولكنه استطاع بدهائه ورباطة جأشه أن يتحدى المشاكل المحيطة به وقد طلب من الانجليز فـي بداية حكمه أن يعقدوا معه معاهدة حماية وصداقة شبيهة بتلك المعاهدات التي عقدتها بريطانيا مع شيوخ الخليج ولكن بريطانيا ترددت فـي تحقيق رغبته تجنباً لإثارة الشكوك بينها وبين الدولة (العلية) العثمانية حيث كان لبريطانيا نفوذ كبير فـي جنوب العراق بالاضافة الى سيطرتها الكاملة على الخليج. وكانت مكتفـية بهذا القدر من النفوذ على حساب الدولة العثمانية.
وتمر الأحداث بسرعة وتشعر بريطانيا أن من مصلحتها الاتفاق مع مبارك بعد أن تبين لها قدرته الفائقة على الصمود فـي وجه التحديات مع ظهور التصدع والتخلخل فـي نفوذ الامبراطورية العثمانية فـي المنطقة بصورة لا تدع مجالاً للشك بعد أن استمرت أربعة قرون عن طريق القوة العسكرية مدعومة بالنفوذ الديني حيث كانت اسطنبول أو الأستانة عاصمة الخلافة الإسلامية والتي يجب أن تكون عاصمة جميع المسلمين. لقد استطاع مبارك فـي خضم تلك الظروف أن يشق عصى الطاعة على الأتراك محافظاً على شيء من النفوذ الاسمي لحفظ ماء الوجه وحتى لا يقال بأنه أدار ظهره للمسلمين وبدأ يتعاون مع (الكفار) كما كان ينظر لغير المسلمين فـي ذلك الوقت وهكذا رأت بريطانيا أنه حان الوقت لأن تعيد النظر فـي علاقتها مع الشيخ مبارك بعد أن ظهرت التحديات لها فـي المنطقة فألمانيا تريد مد سكة حديد برلين بغداد التي ستصل إلى الكويت فـي مرحلتها الأخيرة كما بدأت روسيا القيصرية تدلي بدلوها فـي المنطقة بسبب نفوذها وعلاقتها المتينة مع إيران أو بلاد فارس كما كانت تسمى آنذاك، وذلك من أجل الوصول إلى المياه الدافئة من الخليج، وهكذا رأينا بريطانيا تسارع إلى عقد المعاهدة مع الشيخ مبارك عام 1899م كما هو معروف بعد أن كانت مترددة طيلة أربع سنوات منذ بداية حكمه وقد ظلت بنود المعاهدة سرية إلا أن تركيا عرفت بها فـيما بعد فاستشاطت غضباً ولكنها أعجز من أن تقوم بأي عمل ضد مبارك أو ضد بريطانيا واكتفت بأن يستمر الشيخ مبارك يرفع الراية العثمانية فوق قصره اعترافاً (بولائه) للدولة العلية (لقد طلبت بريطانيا من الشيخ مبارك -كما يقول لوريمر- أن يبدل علمه ولكنه فضل إبقاءه على حاله على اعتبار أنه رمز إسلامي على الرغم من المضايقات التي كانت تلقاها السفن الكويتية من السلطات الإيرانية عند مرورها بموانئها، وعندما أنزل الإنجليز قواتهم فـي البصرة فـي بداية الحرب - نوفمبر 1914 الذي أدى إلى انسحاب الأتراك من منطقة شط العرب، أبدلت الكويت علمها بعلم قاعدته حمراء كتبت داخلها كلمة (كويت) باللون الأبيض واستمر رفع هذا العلم على السفن الكويتية والدوائر الرسمية حتى عام 1962 حيث تم إبداله بالعلم الحالي ذي الألوان الأربعة تمشياً مع قول الشاعر: بيض صنائعنا خضر مرابعنا سود وقائعنا حمر مواضينا) ثم يأتي عام 1913 وتعقد بريطانيا وتركيا اتفاقيتها المشهورة فـي المنطقة والتي حالت الحرب العالمية دون التصديق عليها نهائياً والتي بموجبها تم تحديد منطقة نفوذ الشيخ مبارك على الأرض وعلى القبائل والتي تمتد من قرب سفوان وأم قصر شمالاً إلى ما وراء الحفر والقرعة غرباً حتى بليبيل وجبل منيفة جنوباً. ويقول المؤرخ الكبير ساطع الحصري الخبير فـي الشئون التركية والعربية عن هذه المعاهدة فـي كتابه "البلاد العربية والدولة العثمانية" أن اتفاقية 29 يوليو تموز 1913 التي تم الاتفاق فـيها على أمور كثيرة تخص الجزيرة العربية والخليج وبخصوص الكويت بين الحكومتين البريطانية والعثمانية "الكويت تبقى تحت سيادة الدولة العثمانية ولكن الدولة لا تتدخل فـي شئونها بأية وسيلة ولا ترسل إليها جنوداً. وجاء فـي بيان سري أن شئون الكويت تشمل الداخلية والخارجية كما تعترف الدولة العثمانية بالاتفاقيات التي سبق أن عقدها شيخ الكويت مع بريطانيا".
ويضيف الأستاذ الحصري "بأن عدم تدخل الدولة العثمانية فـي شؤون الكويت الداخلية والخارجية لم يترك فـي الكويت أي أثر للسيادة العثمانية سوى كلمة السيادة (البلاد العربية والدولة العثمانية صفحة 256 - دار العلم للملايين 1960 الطبعة الثانية بيروت).
وعلى الذين ينتقدون تلك المعاهدة التي وقعت بين الشيخ مبارك والحكومة البريطانية، أن لا ينظروا إليها بمقاييس هذه الأيام بل عليهم العودة ثمانين عاماً الى الوراء ويطلعوا على ظروف وملابسات تلك الأيام ليكون حكمهم واقعياً وصحيحاً.
والآن لنعود قليلا الى الوراء ونتذكر ذلك الشاب الذي تركناه فـي ذلك البيت المتواضع من بيوت الكويت يقاسي هو وعائلته ويلات التشرد والحرمان، علماً بأن تلك الظروف الصعبة لم تثن قناته ولم تجعله يستسلم لليأس ليكون نسياً منسياً.
لقد كان تعلقه وحبه لبلاده يزداد مع الأيام وقد أشرف الآن على العشرين من عمره وازداد معرفة بظروف بلاده وتاريخها ثم أدرك أن هناك من يتعاطف معه ويلتقي وإياه فـي التربص بالعدو المشترك فقد تجاوبت أفكاره وآماله بأفكاره وآمال والده الروحي الذي هيأت له المعاهدة مع بريطانيا آفاقاً جديدة من القوة والثقة بالنفس.
فالخصم المشترك هو أمير حائل ورئيس قبائل شمر عبدالعزيز بن متعب الرشيد أشهر من عرفت الجزيرة العربية فـي تاريخها المعاصر فـي شدة البأس والقسوة فـي معاملة الخصوم، يقول عنه الريحاني (هو أمين الريحاني ويسمى فـيلسوف الفريكة نسبة إلى بلدته فـي لبنان وهو المؤرخ و الأديب المعروف مؤلف كتاب تاريخ نجد. وكتاب وملوك العرب الذي خصص منه فصلا عن الكويت حيث نزل فـي ضيافة المرحوم الشيخ أحمد الجابر عام 1924. وكان مقرباً من السلطان عبدالعزيز آل سعود ونقل عن لسانه الكثير مما دونه عن نجد و تاربخها وعلاقتها بالبلاد المجاورة) "كان جباراً عتياً لا أثر للخوف فـي قلبه ولا شيء من الرحمة والحنان، وقد كان فوق ذلك قطوباً عبوساً، يشد عقاله فوق عينيه وكوفـيته على فمه فسمي العبوس الملثم، قلما كان يبتسم بل قلما كان يكشف وجهه كله للناس". وقد تولى الحكم بعد وفاة محمد الرشيد عام 1897.
وبدأ الاستعداد لمقارعة العدو المشترك وحدثت عدة مناوشات ومصادمات مع ابن الرشيد ولكن أهمها كانت معركة (الصريف) المشهورة التي انتهت بانتصار ابن الرشيدعام 1901م.
كانت هزيمة الصريف صدمة عنيفة لكل من مبارك وابن السعود ولكن ذلك النموذج فـي الرجال لا تفت من عضده خسارة معركة. وكما قال أبو الطيب المتنبي:
وإذا كانت النفوس كبار تعبت فـي مرادها الأجسام
فقبل انتهاء ذلك العام قرر الأمير الشاب الخروج ثانية ولكن دون أن يلفت انتباه أحد واكتفى بأربعين شخصاً من أقربائه وأنصاره وهم أشبه ما يكونوا بالفرق الانتحارية فـي هذه الأيام وقد زودهم الشيخ مبارك كما يذكر أمين الريحاني بأربعين ذلولاً (وهى الناقة المعدة للركوب) وثلاثين بندقية ومئتي ريال وبعض الزاد. وسارت هذه المجموعة المغامرة واقتحمت قصر أمير الرياض المعين من قبل ابن الرشيد واسمه عجلان. وقصة اقتحام القصر معروفة وهي أشبه بقصص الأساطير الخيالية وأحياناً تكون الحقيقة أغرب من الخيال كما يقولون وكان ذلك فـي الخامس من شوال عام 1319هـ الموافق الخامس عشر من شهر يناير (كانون الثاني) 1902م.
وقد اثلج هذا الانتصار صدور أهل نجد الذين قاسوا الأمرين من حكم آل الرشيد وكانت هذه المناسبة الفريدة نقطة الانطلاق لابن السعود لتوسيع نفوذه فـي الحواضر والبوادي النجدية.
أما إبن الرشيد فلم يأخذ للأمر أهمية لأنه يعتقد بأنه يستطيع القضاء على ابن سعود بسهولة متى قرر ذلك، وتبدأ المناوشات بين الخصمين من كر وفر وتأتي السنة الحاسمة 1324هـ 1906م ويلتقي الجيشان فـي مكان قرب مدينة بريدة اسمه (روضة مهنا) بعد أن خيم الظلام على المكان ويختلط الحابل بالنابل والحروب الصحراوية معروفة وتختلف عن الحروب النظامية وإذا بعبدالعزيز بن متعب الرشيد فوق فرسه ينادي حامل رايته "من هان يا الفريخ من هان يا الفريخ" بلهجة أهل حايل ولم يدر أنه كان وسط الجيش السعودي فعرفوه وانهال عليه الرصاص وخر صريعاً، وجاءت البشائر إلى إبن السعود بمقتل إبن الرشيد خصمه اللدود، فتنفس الصعداء بعد أن حالفه الحظ بالتخلص من ألد أعداءه.
وفـي الكويت كانت فرحة الشيخ مبارك بالخلاص من ابن الرشيد لا تقل عن فرحة الأمير السعودي. ويواصل الأمير عبدالعزيز السعود بعد ذلك الانتصار الباهر يدعم مركزه ويصلح من أمور مملكته ونعود إلى الكويت حيث الشيخ مبارك يستقبل معتمدا بريطانيا جديداً هو (الكابتن شكسبير) الذي بقي فـي الكويت من سنة 1909م إلى 1914م ولنذكر نبذة عما جاء فـي الكتاب الذي كتب عنه نقلا عن مذكراته التي كان يدونها يوماً بيوم حتى قبل مقتله بقليل وهو يقاتل بجانب الأمير عبدالعزيز آل السعود فـي وقعة (جراب) فـي الرابع والعشرين من شهر ينايـــــــر (كانون الثاني) (Captain Shakespear – By H.V.F. Winstone) جاء فـي المذكرات "منذ مائة عام نقل صموئيل منستي موظف شركة الهند الشرقية مكاتبه ومخازنه من البصره إلى الكويت وكان الأتراك قد استعادوا البصرة من الفرس (احتل الفرس البصرة عام 1776 بعد حصار طويل وبقيت المدينة تحت سيطرتهم مدة ثلاث سنوات حيث استعادتها القوات التركية بمساعدة بعض القبائل العربية "المؤلف") وبدأوا يضعون المتاعب للمؤسسة البريطانية، وبعمله هذا استطاع تحاشي التدخلات التركية، وهذا دليل على ما كانت تتمتع به الكويت من قسط مقبول فـي الاستقلال فـي ذلك الوقت، ولهذا بدأت الدول الكبرى تنظر الى الكويت كموقع مثالي من جزيرة العرب الذي من خلاله يمكن معرفة (حرارة) الصحراء. "ويضيف التقرير" وفـي عام 1860 ذكر الكولونيل لويس بلي وكان وقتها مقيما سياسيا لحكومة بريطانيا فـي بوشهر أن الكويت بلدة نظيفة ونشطة وسكانها فـي حدود عشرين ألفاً ويتوافد عليها التجار من جميع الأقطار بسبب استقامة الحكم فـيها وعدالته (الزيارة المذكورة كانت فـي عهد الحاكم الرابع صباح الثاني "المؤلف").
ثم يواصل التقرير وصف سكن الشيخ مبارك العائلي والرسمي الذي يسميه (السراي) والمقصود هو قصر السيف القديم.[/justify]